من بين خطوط الهجوم التقليدية حول السياسة الخارجية لإدارة ترامب، أن «سياسة أميركا أولاً» تعني في الحقيقة «أميركا وحدها». وقد أبعدت الإدارة كثيراً من الحلفاء التقليديين لأميركا، وفي لحظات كثيرة جداً فإن ذلك جعل الرئيسَ عرضةً للانتقادات الخارجية. لذا، لا عجب في أن الولايات المتحدة لم تعد تحظى بالتقدير الذي اعتادت عليه.
بيد أنه لكي نكون منصفين بدقة تجاه الإدارة، كانت هناك دائماً استثناءات مهمة للزعم بأن الولايات المتحدة أدارت ظهرها لحلفائها وشركائها. وبالطبع، تخلى ترامب عن معظم حلفاء أميركا في أوروبا وأميركا اللاتينية والدول المطلة على المحيط الهادئ، لكنه لم يتخلَّ أبداً عن الشرق الأوسط. وخير مثال على ذلك نهجه الصارم حيال إيران.
لكن لو أن هناك نهجاً ثابتاً في عالم السياسة الخارجية في ظل إدارة ترامب، فهو أنه في النهاية يفعل شيئاً يثير غضب حلفائه. وقد نجح أخيراً بقراره المتعجل حول سوريا في إغضاب حلفائه في الشرق الأوسط.
وكتب مراسلو «واشنطن بوست»، «آن جيران» و«جوش داوزي» و«جون هودسون»، تقريراً مفصلاً يوم 13 يناير الجاري، عن مدى الغضب الذي سببه الرئيس ترامب بقراره إعلان سحب القوات الأميركية من سوريا من خلال تغريدة الشهر الماضي. وأوضحوا أن «سلوك الرئيس المؤجج للغضب حول سوريا، كلّفه أكثر أعضاء إدارته تبجيلاً، أي وزير الدفاع السابق (جيم ماتيس)، كما أغضب حلفاءه وشركاءه الذين باتوا غير متأكدين من التزام الولايات المتحدة حيال المنطقة؛ وزاد احتمالية وقوع مواجهة عسكرية بين تركيا والقوات الكردية في سوريا».
وأضاف المراسلون: «إن وزير الخارجية (مايك بومبيو) سعى لطمأنة الحلفاء من خلال زيارة طويلة إلى عواصم عربية، واعداً بأن سحب الولايات المتحدة لقواتها لن يغير شيئاً في التزامها تجاه ضرورة إلحاق الهزيمة الكاملة بتنظيم (داعش) وإخراج القوات الإيرانية من سوريا»، لافتين إلى أن «هذه الرسالة لم تكن كافية لطمأنة الحلفاء».
غير أن ترامب لم يُحسِّن موقف العلاقات مع أنقرة عندما غرّد محذراً في نهاية الأسبوع من أن أي تحرك تركي ضد الأكراد في سوريا سيفضي إلى «تدمير تركيا اقتصادياً». ويبدو أن أردوغان رفض لقاء مستشار الأمن القومي الأميركي «جون بولتون».
ويقودنا ذلك إلى المشكلة الدائمة في نهج الإدارة تجاه الشرق الأوسط: إنه نهج غير مستدام تماماً. لذلك يواصل ترامب تبني سياسات لا تحظى بأية شعبية كبيرة على الإطلاق. وحتى إذا نجح فريق الأمن القومي للرئيس في تصحيح مسار العلاقات، فإن حالة استقطاب التحالفات الأميركية تزيد من حالة عدم اليقين بالنسبة لدول المنطقة.
وقد اعتبر «بومبيو» في خطابه الذي أدلى به في القاهرة، والذي أسعد أنصار ترامب لكنه أثار مخاوف الخبراء الإقليميين، أن «أميركا هي قوة خير في الشرق الأوسط». ويخشى الخبراء من أن ذلك ليس مقنعاً بقدر تصريحات المتحدث السابق باسم البيت الأبيض «سين سبايسر» الذي اعتاد على إنهاء تصريحاته بعبارات مماثلة. ويبدو أن دول الشرق الأوسط تجد نفسها في وضع مماثل لدول «الناتو» وأميركا اللاتينية.. فهي أيضاً غاضبة من سياسات الساكن الحالي في البيت الأبيض!
دانيال دريزنر*
*أستاذ السياسة الدولية في كلية «فليتشر للقانون والدبلوماسية» بجامعة «تافتس»
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»