انطلقت فعاليات القمة العربية الاقتصادية والاجتماعية أمس الأحد في بيروت، بحضور خجول، حيث اعتذر في اللحظات الأخيرة حتى القادة الذين أكدوا حضورهم مسبقاً ليقتصر الحضور على وزراء خارجية ومندوبي الدول.. كل ذلك في قمة كان يجري الإعداد لها منذ شهور، فما هي أسباب ضعف التمثيل في القمة؟ ولمصلحة من كل هذا؟
انعكست تعقيدات الساحة اللبنانية على القمة قبل عقدها، وبدلاً من أن تتصرف بعض الجهات الرسمية اللبنانية كدولة مضيفة لقمة عربية حسب المقتضيات الدبلوماسية، أصبحت القمة ساحة للخلافات، وظهر جلياً صراع المحاور على الساحة اللبنانية ومحاولة بعض القوى الداخلية ضرب القمة، فظهرت بداية الانشقاق الداخلي عندما أعلن نبيه بري (رئيس مجلس النواب اللبناني ورئيس حركة «أمل» الشيعية)، في 9 يناير الجاري، أنه «في غياب وجود حكومة، ولأن لبنان يجب أن يكون علامة جمع وليس علامة طرح، وحتى لا تكون القمة هزيلةً، أرى وجوب تأجيلها»، مؤكداً «ضرورة مشاركة سوريا في مثل هذه القمة».
وشهدت كواليس الاجتماعات الممهدة للقمة جدلاً حول موضوعين أساسيين؛ الدعوة لمشاركة سوريا في القمة، ورفض مشاركة ليبيا فيها.
وفيما يتعلق بدعوة سوريا للقمة، فقد علقت جامعة الدول العربية عضوية دمشق فيها عام 2011، وبالتالي فقضية دعوتها للقمة تعود للجامعة نفسها وليس للبنان كدولة مضيفة.
أما فيما يتعلق بالأزمة اللبنانية الليبية، فقد عارض «المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى» في لبنان، دعوةَ الوفد الليبي إلى القمة، وأنزل أفراد من حركة «أمل» علمَ ليبيا الذي كان مرفوعاً في مقر انعقاد القمة، ورفعوا صور الإمام موسى الصدر. وتتهم «أمل» الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي باختطاف وتصفية الصدر ومرافقيه عندما كانوا في زيارة لليبيا عام 1978، وتعتبر أن طرابلس لم تفعل اللازم لكشف تفاصيل الاختطاف. وعليه أعلنت الخارجية الليبية مقاطعة القمة والامتناع عن المشاركة في أعمالها، وأعلنت الجامعة العربية على لسان أمينها العام أحمد أبو الغيط، عن الانزعاج من حادثة حرق العلم الليبي، ومن ثم توالت اعتذارات زعماء الدول العربية حتى مَن كانوا منهم قد أكدوا حضورهم القمة.
وكان من الواضح أن استحضار ملف اختفاء الصدر عبر الاعتراض على مشاركة الوفد الليبي في القمة، رغم أن النظام الليبي المعني بقضية الصدر سقط على أيدي معارضيه منذ سنوات، هو استحضار غير منطقي. لكن التلويح بقضية الصدر سعى لتحريك الشارع الشيعي، وساهم في مقاطعة ليبيا للقمة، وهو ما هدفت له تحركات محور «حزب الله» و«أمل»، أي إفشال القمة قبل بدئها.
في عام 2013 اتفق القادة العرب في ختام القمة الاقتصادية في دورتها الثالثة على تسمية لبنان لاستضافة القمة في دورتها الرابعة، في إشارة إلى الرغبة العربية في احتضان لبنان وعودته إلى الخارطة العربية، لكن من الواضح -وبعد ست سنوات على ذلك التاريخ- أن لبنان اليوم يدفع ثمن الانغماس الإيراني في شؤونه الداخلية عن طريق ذراعه «حزب الله». ففي تصريح للنائب السابق فارس سعيد قال: «الفريق الإيراني في لبنان نجح في تدمير قمة عربية كان يجب أن تُعقد في عاصمة عربية اسمها بيروت،»، معتبراً أن «فشل القمة هو انتصار لـ(حزب الله)».
لقد كشفت القمة الوضع الراهن للبنان وأظهرت حجم التجاذبات المحلية ومقدار الاختراق الخارجي الصارخ وهيمنة الأجندات الخارجية.. مما أجهض القمة حتى قبل انعقادها، وأظهر بما لا يدع مجالا للشك، انعدام التوازن السياسي في لبنان، وحقيقة كون استقراره السياسي والاقتصادي بات في خطر.