يدل الارتباك الذي أحاط بالقمة الاقتصادية في بيروت مؤخراً على أن أزمة العمل العربي المشترك باتت بحاجة ماسة إلى رؤية لمعالجتها في بداية عام ستُعقد خلاله ثلاثة مؤتمرات قمة أخرى. وليست مقاطعة ليبيا، والخلاف على مشاركة سوريا، في هذه القمة، إلا الرأس الظاهر لجبل جليد أزمة العمل العربي المشترك. الخلاف ليس عيباً بذاته. لا يخلو تجمع إقليمي في عالمنا من خلافات. لكن الفرق كبير بين نوعين من الخلاف. أولها يُعطل، أو يؤدي إلى انقسام أو صراع. والثاني يدفع إلى حوار جاد حوله، لكي لا يُقوض المنافع المترتبة على التعاون، والعمل المشترك. والخلافات العربية في معظمها من النوع الأول.
كان مفترضاً أن يحدث خلاف على كيفية تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدول العربية بمقدار ما تسمح به الظروف الصعبة التي تمر فيها المنطقة. وعندما يحدث حوار حول خلاف من هذا النوع عند الإعداد لقمة اقتصادية، يكون الأمر طبيعياً، وقد يساعد في التوصل إلى حلول لبعض المشاكل على النحو الذي يحدث في تجمعات إقليمية أخرى. أما حين يكون الخلاف الرئيسي، الذي هدد التئام القمة، سياسياً، سواء داخل الدولة المضيفة أو بين بعض الدول المشاركة فيها، فهذا دليل على أن أزمة العمل المشترك بين هذه الدول صارت أكثر خطراً من أي وقت مضى.
لذلك، يفرض الوضع الذي آلت إليه هذه الأزمة وقفةً يتحلى فيها الجميع بالمسؤولية، سعياً إلى استثمار فرصة نادرة، وهي عقد ثلاث قمم أخرى خلال عام 2019، إحداها القمة السنوية التي ستُعقد في تونس في مارس المقبل، والثانية مع الدول الأوروبية، والثالثة مع الدول الأفريقية، فضلاً عن قمة ثقافية عربية محتملة، في نهاية العام نفسه أو بداية 2020.
بدأ الإعداد للقمة العربية الأوروبية، التي تستضيفها مصر في 24 و25 فبراير المقبل. وعقد المندوبون في جامعة الدول العربية اجتماعاً في 9 يناير الجاري للتنسيق بشأن الاجتماع الوزاري العربي الأوروبي المقرر في 4 فبراير المقبل في بروكسل للإعداد لهذه القمة.
وتنطوي هذه القمة على أهمية خاصة، كونها الأولى من نوعها بخلاف القمة العربية الأفريقية التي ستُعقد في السعودية في النصف الثاني من العام، وتُعد الرابعة منذ الاتفاق على عقدها كل ثلاث سنوات، حيث عُقدت في ليبيا عام 2010، وفي الكويت عام 2013، وفي غينيا الاستوائية عام 2016. لكن أهمية القمة القادمة تعود إلى عاملين؛ أولهما أن عقدها يضمن استمرار التفاهم على دورية انعقادها بعد الأزمة التي عرفتها قمة 2016 بسبب رغبة الاتحاد الأفريقي في مشاركة «جبهة البوليساريو» فيها. أما العامل الثاني فهو أن موعدها يحل هذه المرة في ظل رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي، وحرصها على القيام بدور كبير في أن يكون العام الحالي نقطة تحول في العلاقات بين العرب والأفارقة، بعد أن أصبحت القارة السمراء موضع تنافس بين القوى الدولية الكبرى، وباتت بعض مناطقها ضمن قوائم أولويات هذه القوى، وخاصة منطقتي القرن الأفريقي والساحل الغربي والصحراء المجاورة له.
وهكذا يحمل عام 2019 في طياته فرصاً للعرب يتطلب استثمارها تحقيق حد أدنى من التفاهم بين معظم دولهم بشأن القضايا الأساسية، وعدم ترك سلطة شاردة في دولة أو أخرى تعطل إيجاد هذا التفاهم. ويتطلب ذلك بناءَ ما يمكن أن نسميه قاطرة قوية تضم عدداً محدوداً من الدول تتفق على مبادرات، وتتحرك من أجل تحقيق أوسع اتفاق ممكن عليها قبل انعقاد قمة تونس القادمة. وهذا أهم ما يحتاجه العرب في عام غير عادى ربما يحمل بشائر تخطي المرحلة الصعبة التي تمر بها المنطقة منذ مطلع العقد الجاري.