من بعض النواحي، يمكن القول إن نسخة هذه السنة من «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس، لا تختلف كثيراً عن مناقشات 2018. ففي هذه السنة أيضاً ستكون ثمة تصريحات حول جهود مكافحة تغير المناخ والمخططات المقترحة للتخفيف من تأثيراتها. كما سيواصل السياسيون والأكاديميون ومديرو الشركات الكبرى التباحث حول التفاوت الاجتماعي ونِعم العولمة ونقمها.
غير أنه إذا كانت دورة السنة الماضية قد تميزت بحضور نجوم مثل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وشخصيات أخرى من الوزن الثقيل، فإن قائمة الشخصيات السياسية المشاركة في نسخة هذه السنة، ستخلو من الأسماء المذكورة آنفاً، فيما باتت الشؤون والضغوط الداخلية تزاحم الهموم الدولية.
ترامب أعلن أنه لن يحضر اجتماع دافوس وسط إغلاق حكومي فدرالي هو من حرّض عليه قبل شهر، ولاحقاً عمد إلى إلغاء زيارة الوفد الأميركي برمته. وأمام تزايد متظاهري «السترات الصفر»، الذين يعتبرون ماكرون نخبوياً بعيداً عن هموم الطبقات الكادحة، وجد الرئيس الفرنسي الشاب أنه من الأفضل ألا يخالط الأغنياء في منتجع على جبال الألب هذه السنة. ومن جانبها، ستغيب رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي عن اجتماعات هذه السنة، بينما تترنح بلادها على شفير كارثة «البريكسيت».
والواقع أن المنتدى الاقتصادي العالمي ليس محايداً بخصوص مسألتي معاداة الليبرالية والشعبوية. ففي مقال، قدّم رئيسُ برمجة هذه الدورة التيمةَ الرئيسة لهذا الأسبوع باعتبارها محاولة لـ«تشكيل هندسة عالمية»، رغم «القلاع والجدران». كما أفرج منظمو المنتدى عن استطلاع للرأي شمل 20 ألف شخص من كل أنحاء العالم، وجد أن أغلبيات مهمة تؤيد «تعددية الأطراف» دولياً، وتميل على نحو إيجابي إلى المهاجرين، وتُعارض فكرة أن «التحسن الوطني كمعادلة صفرية».. وكل ذلك يرقى إلى رفض لسياسات ترامب وقوميي اليمين المتطرف. وفي هذا الإطار، قال كلاوس شواب، مؤسس المنتدى ورئيسه التنفيذي: «إن تغير المناخ، والتفاوت الاجتماعي، والتكنولوجيا، والتعقدات الجيوسياسية.. كلها أمور تطرح تهديداً وجودياً بالنسبة للبشرية»، مضيفاً: «ما نراه من خلال هذا البحث هو أنه إذا كانت قدرة المجتمع الدولي بخصوص التعاون وتنسيق العمل تبدو مقيدة، فإن الجمهور العالمي يتوق إلى زعماء يجدون طرقاً جديدة للعمل معاً تسمح لهم بالتعاون حول هذه التحديات الكبيرة المشتركة التي نواجهها جميعاً».
لكن المنتقدين يعتبرون أن دافوس ليس المكان المناسب للبحث عن التغيير. ومن هؤلاء أناند غيريداراداس، كاتب العمود السابق بصحيفة «نيويورك تايمز» ومؤلف كتاب يهاجم ادعاءات نخبتي دافوس ووادي السيليكون، الذي سخر من قلق وانشغال كبار المستثمرين وأغنى أغنياء العالم بشأن الشعبوية.
غيريداراداس كتب في رسالة مفتوحة نشرتها مجلة «تايم»، ووجهها إلى التجمع في دافوس يقول: «لقد ساعدتم القومية التي تهدد مجتمعاتنا اليوم وخذلتم الكثير منا». ثم تابع «لقد ناضلتم من أجل قوانين تسمح لكم بسرقة مستقبل أطفالنا. وضغطتم في اتجاه شركات الاحتكار والتقشف وتحرير السوق. فغضب الناس، وصوّت بعضُهم للجحيم. ولكن من المستفيد من كل ذلك؟ أنتم مرة أخرى».
وفي التوقيت المناسب، أصدرت منظمة «أوكسفام» التي تنشط في مجال إغاثة الفقراء، دراسةً وجدت أن التفاوت الاجتماعي لا يزداد إلا سوءا. وفي هذا السياق، قال ماثيو سبنسر، مدير الحملات والسياسة في «أوكسفام»: «إن طريقة التي نظمت بها اقتصاداتنا تعني أن الثروة مركزة بشكل مجحف ومتزايد بين قلة محظوظة، بينما بالكاد يجد ملايين الأشخاص ما يكسبون به قوت يومهم».
المنظمةُ دعت الحكومات إلى زيادة الضرائب على الأغنياء والشركات الكبيرة. فقد وجدت «أوكسفام» أنه لو دفع الـ1? الأغنى في هذا العالم 0.5? فقط من الضرائب على ثروتهم، لأمكن جمع مال أكثر مما يكلّفه تعليم الـ262 مليون طفل الذين ينقطعون عن الدراسة عبر العالم، وتوفير الرعاية الصحية التي يمكن أن تنقذ أرواح 3.3 مليون شخص.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»