بينما تركِّز معظم وسائل الإعلام في العالم الغربي على الأزمات السياسية التي تعصف بالولايات المتحدة الأميركية ومنظومة الاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي، وخبر الإعلان عن تسجيل الاقتصاد الصيني لأبطأ معدل نمو يحققه منذ ثلاثة عقود، نجد أن هناك أوضاعاً سياسية تتسم بالخطورة إلى حد كبير، خاصة في سوريا وأميركا اللاتينية، تستوجب قدراً أكبر من الاهتمام وتركيز الانتباه.
فسوريا تظل بلداً في حالة اضطراب كبير على الرغم من الانتصارات التي حققتها قوات نظام الأسد على أعدائها، وعلى الرغم من نجاح الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم «داعش» الإرهابي في كل من سوريا وجارتها العراق. ذلك أن قرار الرئيس دونالد ترامب المفاجئ، والقاضي بسحب القوات البرية الأميركية من سوريا، زاد من الشكوك وزعزعة استقرار الوضع الهش في شمال سوريا؛ إذ أثار قلقاً لدى الأكراد والإسرائيليين، ولقيّ إشادة من قبل تركيا وإيران وروسيا، وارتباكاً واضحاً على كل الأطراف تقريباً، وذلك نظراً إلى أن ترامب لم يقدّم أي مخططات مفصلة لتنفيذ مثل هذا العمل الانسحابي، بما في ذلك اتفاقات لحماية الأكراد السوريين من تركيا ونواياها الانتقامية بحقهم.
وفي هذا الأثناء، تواصل إسرائيل هجوماً جوياً مكثفاً ومفتوحاً بشكل متزايد ضد أهداف إيرانية على الأراضي السورية بالقرب من العاصمة دمشق. لكن الخطر يكمن في إمكانية أن يزيد نظامُ الدفاع الجوي الروسي، في مرحلة ما، اشتباكَه مع الصواريخ والطائرات الإسرائيلية، فيحدث تصعيدٌ سريع للحرب بين الجانبين. وفي تلك اللحظة، قد تنجر الولايات المتحدة إلى مواجهات مباشرة مع القوات الروسية الموجودة في سوريا، لاسيما في حال تكبّدت إسرائيل خسائر غير متوقعة أو في حال نفّذت إيران، أو وكيلها «حزب الله»، هجمات أكثر وضوحاً وإيلاماً ضد إسرائيل. إذ من شأن ذلك أن يؤدي على نحو حتمي إلى إصابات بشرية، بالنظر إلى دقة أو عدم دقة الصواريخ المستخدمة على جانبي الجبهة. ولهذا، ينبغي أن يكون تجنب التصعيد عنصراً أساسياً في أي حوار أميركي روسي، غير أنه ليس ثمة أي مؤشر على حدوث مثل هذا الحوار المطلوب في المدى المنظور.
وقريباً من أراضيها، تواجه الولايات المتحدة وضعاً خطيراً، وعلى نحو متزايد، في أميركا الوسطى والجنوبية، في وقت تواجه فيه فنزويلا ونيكاراغوا انتفاضات داخلية يمكن أن تخرج عن حدود السيطرة، وتتسبب في مزيد من الهجرات الجماعية والتهديدات بالنسبة لاستقرار الجيران.
إن أحد الأسباب الرئيسة للفوضى هو الفقر المتزايد لفنزويلا، التي كانت تُعد في يوم من الأيام أغنى دولة في أميركا الجنوبية، باحتياطيات نفطية ضخمة. فعندما تولى الضابط السابق في الجيش هوغو تشافيز الرئاسةَ في عام 1999 أخذ على عاتقه مشروع بناء دولة اشتراكية، لكنه في أثناء ذلك تسبب في إفلاس البلاد. وعندما توفي بسبب السرطان في عام 2013 خلفه على رئاسة البلاد نائبُه نيكولاس مادورو، الذي راح يزيد الأمور سوءاً. إذ منذ توليه السلطة، غادر ملايين الفنزويليين البلاد إلى كولومبيا والبرازيل، وإذا كانوا من الميسورين، إلى أوروبا والولايات المتحدة، في وقت أصبح فيه اقتصاد البلاد في حالة سقوط حر مع انهيار تام للنظام الطبي ولنظام إمدادات المواد الغذائية.
وأحد ضحايا الأزمة الفنزويلية هو نظام دانييل أورتيغا، الزعيم اليساري السلطوي لنيكاراغوا. فإلى غاية عام 2017، كان اقتصاد البلاد ينمو بمعدل 5 في المئة سنوياً، وكانت السياحة آخذة في الازدهار. لكن خلال ولاياته الثلاث في المنصب، راكم أورتيغا ديوناً هائلة، وكان يعتمد على المساعدات التي تأتيه من مادورو. غير أن في عام 2018 أوقف مادورو المساعدة لنيكاراغوا. فاضطر أورتيغا لتقليص تمويل الضمان الاجتماعي، ثم أعقب ذلك اندلاع لأعمال شغب، وُوجهت بقمع وحشي، أسفر عن مقتل مئات المواطنين. ونتيجة لذلك، توقفت الاستثمارات عن التدفق على البلاد، ودفع فرار رؤوس الأموال البلادَ أكثر نحو مزيد من الفقر.
واليوم، باتت كل من فنزويلا ونيكاراغوا على حافة حرب أهلية أو انهيار تام. ومما لا شك فيه أن تداعيات هذه المشاكل ستؤثر على المنطقة برمتها، بما في ذلك الولايات المتحدة. ولهذا، دعت عدد من البلدان المحورية مثل البرازيل وكولومبيا والمكسيك والولايات المتحدة إلى فرض عقوبات أكبر على مادورو، وإلى تخليه عن السلطة. ولا شك في أن من شأن مزيد من الخفض لكميات النفط التي يتم شراؤها من فنزويلا أن يتسبب في معاناة أكبر للاقتصاد، كما يمكن أن يكون عاملاً حاسماً في تغيير النظام. غير أنه إذا كان التغيير عنيفاً، يجب حسابُ مخاطر واحتمالات نزاع أكبر. ومما يجدر ذكره هنا أن روسيا والصين عرضتا على مادورو المساعدة؛ إلا أن تدخلهما في الوضع لا يمكن إلا أن يزيد الأمور سوءاً.