كان ثمة زمن يقابَل فيه السياسيون مثل السياسي الإيطالي ماتيو سالفيني بالرفض والنبذ في إسرائيل. ولكن هذا الزمن ولى. سالفيني، وزير الداخلية الإيطالي وزعيم حزب «رابطة الشمال» القومي اليميني المتشدد والمشارك في حكومة ائتلافية في روما، وصل إلى إسرائيل الشهر الماضي في زيارة دامت يومين. وقد عكست زيارته، التي شملت لقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو وزيارة للنصب التذكاري للمحرقة «ياد فاشيم»، تحولا كبيراً في السياسة العالمية.
في عهد نتنياهو، حشدت إسرائيل محصولاً بارزاً من الحلفاء غير الليبراليين. بعضهم، مثل سالفيني ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، يمثّلون حركات سياسية لديها تاريخ في التشدد اليميني. وآخرين، مثل الرئيس الفلبيني رودريجو دوتيرتي والرئيس البرازيلي لمنتخب جايير بولسونارو، يتبنون أجندة وخطاب زعيمين مستبدين مقبلين، إذ يَعدان بتدمير أعدائهما ويسخران من نشطاء حقوق الإنسان (وبالمناسبة، كلاهما يبدوان عاقدين العزم على نقل سفارتي بلديهما في إسرائيل إلى القدس).
جميع هؤلاء يبدون متحدين في دعمهم الواضح لحكومة نتنياهو، حكومة تواجه عزلة دولية باستمرار على خلفية احتلالها المتواصل للأراضي الفلسطينية.
في السنوات الأخيرة، ومع انجراف الائتلاف الحاكم أكثر فأكثر نحو اليمين، بدأ ما كان ذات يوم دعماً صلباً وثابتاً من الحزبين الرئيسيين لإسرائيل في واشنطن في التصدع. كما عبّر أعضاء في حكومة نتنياهو عن القلق بشأن عدد متزايد من اليهود الأميركيين، ولاسيما بين جيل الشباب، الذين أخذوا يديرون ظهورهم لإسرائيل. وفي الأثناء، اعترى العلاقات مع بعض الحكومات في أوروبا الغربية –المحبَطة بسبب الحالة المزرية لحل الدولتين والمستاءة من دور نتنياهو في مهاجمة الاتفاق النووي مع إيران – برود لا تخطئه العين.
وهكذا سعى نتنياهو إلى كسب ود أصدقاء جدد. ومن بين هؤلاء «أوربان» و«سالفيني»، وهما زعيمان أوروبيان يمثّلان محوراً قومياً متشدداً في القارة العجوز، ويتعهدان بخوض حرب سياسية ضد مؤسستها الليبرالية. داخلياً، يُنتقد «أوربان» بسبب إشادته بمتعاونين نازيين وتبنيه رسائل مشفرة معادية للسامية في حملته الانتخابية.
في إسرائيل نتنياهو، وجد هؤلاء الزعماء روحاً مماثلة على نحو يدعو للاستغراب. وفي هذا الصدد، كتب الصحافي «ماتي فريدمان» في صحيفة «نيويورك تايمز» يقول، متحدثاً عن قوميي اليمين المتطرف في أوروبا: «إن إسرائيل التي يرونها ليست كياناً ليبرالياً أو كوسموبوليتانيا خلقه اشتراكيون، وإنما دولة لمجموعة إثنية منسجمة مرتابة في الأوهام القومية المتشددة، ويوجد لديها قوة عسكرية، وسد منيع أمام العالم الإسلامي»، مضيفاً «وقد سعى هؤلاء الزعماء وراء علاقات جيدة مع الائتلاف اليميني الموجود في السلطة هنا».
وقام «سالفيني» بجولة على حدود إسرائيل مع لبنان، وتفقد ما يبدو نفقاً حفره «حزب الله». ولا يهم هنا كثيراً أن مشاعر معاداة السامية بين اليمين المتطرف على جانبي الأطلسي سامة مثلما كانت على مدى سنوات – لتتوج على نحو بشع بعملية إطلاق نار جماعي في كنيس بمدينة بيتسبرغ الأميركية في أكتوبر الماضي. وكان عدد من الساسة والمعلّقين السياسيين الأميركيين، من بينهم العديد من الأميركيين اليهود، قد عاتبوا الرئيس ترامب بسبب دوره في تأجيج القومية اليمينية الهستيرية من النوع الذي أسهم في الهجوم، ولكن حكومة نتنياهو وسفيره في واشنطن سعوا جاهدين إلى الدفاع عن ترامب عقب ذلك.
فـ«بالنسبة لرئيس الوزراء ولمؤيديه في واشنطن، انتقاد إسرائيل هو شكل معاداة السامية الوحيد الذي يهم»، يقول جوشوا كيتينج من مجلة «سلايت». الأيديولوجيا الواضحة وراء أجندة نتنياهو تثير قلق أنصار إسرائيل الأكثر ليبرالية في الولايات المتحدة. وفي هذا الصدد، يقول جيريمي بن-عمي، رئيس المنظمة الأميركية اليهودية اليسارية «جي ستريت»: «من المقلق للغاية أن رئيس الوزراء نتنياهو والحكومة الإسرائيلية أخذوا يحتضنون زعماء يمينيين لديهم إيديولجيات معادية للأجانب وميولات سلطوية».
ويواصل بن-عمي قائلاً: «في غمرة حماسهم للإبقاء على الاحتلال ورفض كل نقد لسياساتهم تجاه الفلسطينيين، من الواضح أن اليمين الإسرائيلي يشعر بقرابة عائلية مع الزعماء القوميين المتشددين الآخرين الذين يعملون على شيطنة الأقليات المدنية، ومنظمات المجتمع المدني، والمؤسسات الديمقراطية»، مضيفاً «وبوقوفها مع أمثل أوربان وسالفيني، تتجاهل الحكومة الإسرائيلية التخوفات العميقة للزعماء اليهود الأوروبيين، وتنسى الدرس التاريخي المتمثل في أن أي حكومة تستهدف الأقليات وتُضعف الديمقراطية الليبرالية هي في نهاية المطاف تهديدٌ للشعب اليهودي».