رغم أن كثيراً من دساتير البلدان العربية والإسلامية تنص على أن «الشريعة الإسلامية» مصدر رئيسي للتشريع فإن الجماعات والتنظيمات المتطرفة تزعم دوماً أن تطبيق الشريعة غائب في حياتنا، وأنها هي وحدها التي تفهم ما يعنيه «الشرع»، وتناضل من أجل حضوره في الواقع، وأن على الناس أن يصدقوها، وينضموا إليها، ليسيروا معها في طريق الله.
ويراهن المتطرفون في طلبهم هذا على أن أغلب الناس لا يعرفون أن الدين يشكل أحد الأطر الأساسية للسياسات العامة في كل البلدان العربية والإسلامية، وأن هناك ضمانات لعدم تعارض التشريعات والقوانين مع الشريعة، وأنه يتم تطبيق كل ما ورد في القرآن من تشريعات، مع استبدال الحدود بعقوبات أخرى.
وبدلاً من أن يكونوا متسقين مع أنفسهم، ويقروا بهذا، ظل أتباع التيار الديني الساعي إلى السلطة يعبئون الناس، طيلة الوقت، حول مطلب تطبيق الشريعة، ويثيرون سخط قطاع منهم على السلطة بدعوى أنها تحارب الدين، ويرفعون في هذا شعارات من قبيل «الإسلام هو الحل» و«القرآن دستورنا» و«قادم قادم يا إسلام»، وفي ركاب ثورة يناير المصرية استبدلوا هتاف الميادين الذي كان يصرخ «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية» بـ«الشعب يريد تطبيق شرع الله»، وكأن الشريعة كانت غائبة عن حياة المصريين.
ووقت أن كانوا يتقدمون في الحصول على السلطة التشريعية والتنفيذية كاملتين في مصر، تنكَّر «الإخوان» لكل الجهود والإجراءات التي قامت بها الدولة عبر إسناد تطبيق «مبادئ الشريعة كمصدر أساسي للتشريع» إلى المشرعين أنفسهم، بحيث يضعون هم القوانين التي يمكن أن تعبر عن تجلي قيم الشرع وروحه وتصوراته العامة في التشريع، وحاولوا الالتفاف عليها وقت صناعة دستور 2012 حين أرادوا أولًا، وبشكل سافر، أن ينصوا على تفسير للشريعة، والقول بأن مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة، في مذاهب أهل السُنة والجماعة"، وفي هذا صناعة دولة يحكمها رجال الدين، وفق ما كان سائداً في أوروبا خلال العصور الوسطى، حين صار للملوك حق إلهي.
لكن ضغط القوى المدنية جعلت «الإخوان» يتراجعون إلى الحيلة بالنص في المادة الثالثة على أخذ رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في الشؤون المتعلقة بالشريعة الإسلامية، متوهمين أنهم سيتمكنون من السيطرة عليه في المستقبل جامعاً وجامعة ومعنى وفقهاً ورمزاً. وقبل هذا بسنوات طويلة أفصح «الإخوان» عن رؤيتهم للشريعة في اقتراحات بقوانين تقدم بها من وصل منهم إلى عضوية مجلس الشعب المصري، من قبيل إقامة الحدود، وفرض زي موحد للنساء، ومنع الرجال من العمل في صالونات الحلاقة للسيدات، وغاب عن تصورهم أن جوهر الشريعة هو إسعاد الناس بإقامة العدل الاجتماعي، أو تحقيق الكفاية للمسلمين من غذاء ودواء وكساء وإيواء وتعليم.
وفي ركاب «الإخوان» جاءت جماعات متطرفة أخرى كثيرة ربطت قضية الشريعة بفكرة الحاكمية، وهددت بأنه إذا لم يطبق الحاكم الشريعة، فإن العقد معه يعد ملغياً، ويعتبر رفع السلاح وسيلة إسلامية مشروعة لعزل الحاكم.
وكتب «صالح سرية» قائد تنظيم ما يعرف بـ«الفنية العسكرية» كتيباً عنوانه «رسالة الإيمان» قطع فيه بشرك وكفر كل من أعطى نفسه حق التشريع، حتى لو كان مؤمناً بالله!
ثم انحرف الأمر مع «داعش» إلى مستوى مروع، باسم تطبيق الشرع، مع أن هذا التنظيم في الحقيقة ركن إلى شريعة المغول الذين كانت خطتهم في الحرب تقوم على عدم احترام أي أخلاق أو الوفاء بأي وعود أو الالتزام بأي تعهدات أو الحذر في القتل والتخريب، فكانوا يعاهدون الناس إن سلموا سلاحهم على أن تصان أرواحهم، وما إن يستجيبوا لهم حتى يلغوا في دمائهم، ويستحلوا نساءهم ويخربوا بيوتهم ويحرقوا كل ما لهم، حتى إنهم قتلوا رسل الملوك والقادة ليبثوا الرعب في النفوس. فداعش لم يسبقه تنظيم إرهابي في الإجراءات العقابية القاسية والغريبة التي يقوم بها ضد مخالفيه في أسلوب العيش، أو من يتهمهم بإتيان المنكر، أو أولئك الذين يقبض عليهم ممن يناصبونه العداء.