مع اقتراب الانتخابات العامة في الهند، بدأت أحزاب المعارضة لمّ شملها على مختلف المستويات لمواجهة حزب «بهاراتيا جاناتا» الحاكم بقيادة رئيس الوزراء «ناريندرا مودي»، الذي يسعى لإعادة انتخابه والاحتفاظ بالسلطة لخمس سنوات أخرى. وحضرت المعارضة الموحدة الأسبوع الماضي في حشد دعت إليه كبيرة وزراء ولاية بنغال الغربية «مامتا بنرجي»، ما يعتبر أبرز جهود توحيد المعارضة حتى الآن. وحضر الحشد بولاية «كلكاتا» أكثر من نصف مليون شخص، ما يشي ببدء تشكل مظلة موحدة لأحزاب المعارضة. وشهد الحشد غير المسبوق، الذي أطلق عليه اسم «وحدوا الهند» تواجد قادة محليين وإقليميين ينتمون لأكثر من 20 حزباً سياسياً، ومن بينهم حزب المعارضة الرئيس «المؤتمر الوطني»، في محاولة للتصدي لحزب «بهاراتيا جاناتا».
ولا شك في أن انتخابات عام 2019 لن تكون سهلة بالنسبة للحزب الحاكم كما كانت قبل خمسة أعوام مضت في 2014، عندما فاز بأغلبية كاسحة، لاسيما أن الأحزاب الإقليمية زادت قوة منذ ذلك الحين، ومن المتوقع أن تكون عاملاً مرجحاً في تشكيل الحكومة المقبلة. وقد دأبت كبيرة وزراء ولاية البنغال الغربية على انتقاد الحكومة بقوة، وتطرح نفسها كوجه لوحدة المعارضة كي تصبح صانعة قرار.
وظهور وحدة المعارضة هو بداية واضحة للترابط بين مختلف الأحزاب الإقليمية، في إطار استعداداتها للانتخابات العامة بحلول مايو المقبل. ورغم أن ذلك قد لا يعني تحالفاً على المستوى الوطني قبل الانتخابات، لكنه يعني أن الأحزاب الإقليمية يمكن أن تتعاون في مختلف المناطق. وبالتأكيد كان الحشد علامة بارزة تظهر الوحدة، لكن ما يزال من غير المؤكد ما إذا كانت هذه الأحزاب ستتمكن من الاتفاق على أجندة مشتركة لتخوض بها المعركة الانتخابية. وعلى هذه الأحزاب أن تتوصل إلى إعلان مشترك لإقناع الناخبين أنها تسعى للعمل فعلاً ولكي لا ينتهي الأمر بها في ائتلاف فوضوي.
ورغم ذلك، لم يكن حشد «وحدوا الهند» هو التضامن الوحيد بين أحزاب المعارضة، ففي أكبر ولاية هندية «أوتر براديش»، أعلن أكبر حزبين سياسيين هناك عن التنسيق فيما بينهما بتقسيم متساوٍ لعدد المقاعد بهدف منافسة الحزب الحاكم. وأحد هذين الحزبين هو «باهوجان سماج»، الذي تقوده «ماياوتي» الملقبة بـ«ملكة الداليت»، وتمثل الفئات الضعيفة في المجتمع، ممن كان يطلق عليهم وصف «المنبوذين». وأما الحزب الآخر فهو «سماج وادي»، أو الحزب الاشتراكي ويقوده زعيم شاب هو «أكهيليش كومار»، ولديه تأييد واسع النطاق بين طبقة المزارعين التقليديين والمسلمين.
وقد أزعج هذا التنسيق حزب «بهاراتيا جاناتا» بشدة، ما حدا به إلى اتهام المعارضة بالسعي وراء مصالحها الشخصية، بينما انتقد «مودي» التحالف بين الحزبين قائلاً: «إن هذا التحالف ليس ضده وإنما ضد الهند».
وأوتر براديش هي أهم الولايات الهندية سياسياً، ويمكن أن تؤثر على حظوظ الحزب الحاكم، وذلك بسبب مقاعدها البرلمانية الـ80، التي تمثل أكبر عدد مقاعد لأية ولاية في غرفة «مجلس الشعب» بالبرلمان الهندي. وفي ظل تعداد سكانها البالغ 220 مليوناً، وهو ما يزيد على 40 ضعف تعداد سكان سنغافورة، لطالما كانت «أتر براديش» ميدان معركة سياسية محتدمة تؤثر على السياسة المحلية بسبب التمثيل الكبير في البرلمان. وهناك مقولة مفادها أن الطريق إلى «دلهي» أو السلطة الفيدرالية يمر عبر «أوتر براديش».
وفي انتخابات عام 2014، فاز حزب «بهاراتيا جاناتا» بأغلبية ساحقة، حاصداً 71 من 80 مقعداً حيث خاض رئيس الوزراء مودي المنافسة بنفسه وفاز من هذه الولاية فيما يشير إلى أهميتها. والآن، يشي تحالف أكبر حزبين على مستوى الولاية، وفقاً للتحليل، ببداية نوع من التحالف بين كثير من أحزاب المعارضة على مستوى الدولة. ورغم أن ناريندرا مودي ما يزال يحظى بشعبية في الهند، إلا أن حزبه مُني بصدمة انتخابية بعد خسارته الانتخابية في معاقله بثلاثة ولايات هي «مادهيا براديش» و«راجاستان» و«تشاتيس غره» أمام حزب «المؤتمر» الشهر الماضي. ويعتبر البعض أن هذه الخسارة جددت النشاط في أحزاب المعارضة، بما فيها حزب المؤتمر، الذي يحاول أيضاً حشد تحالفه الخاص.
وتُظهر التطورات أن «مودي» سيتعين عليه المحاربة بقوة على جبهات مختلفة، وسيتعين عليه استخدام استراتيجيات مختلفة بحسب طبيعة كل ولاية، حيث تتأهب أحزاب المعارضة للتنسيق فيما بينها. بيد أن ذلك التنسيق لا يمكن اعتباره مصالحة نهائية بين الأحزاب، ذلك أن لكل حزب أجندة مختلفة، ويسعى عدد من قادة المعارضة إلى تولي منصب رئيس الوزراء الهندي يوماً ما. لذا فإن الحفاظ على وحدة المعارضة يشكل تحدياً كبيراً على المدى الطويل. ويعني ذلك أن انتخابات 2019 ستشهد معركة سياسية محتدمة على جبهات شتى بينما يحارب «مودي» لإعادة انتخابه.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي