شواهد وتطبيق عملي لقيم راسخة في الشخصية الإماراتية ومجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة وقيادتها. هذا ما يجده كاتب هذه السطور في الحراك المجتمعي والدبلوماسي في فضائه الإنساني لدولة الإمارات، والذي ينتج عنه تعايش أكثر من 200 جنسية على هذه الأرض الطيبة، وإعلان عام 2019 عاماً للتسامح، لتأتي أيضاً الزيارة الرسمية التي يقوم بها قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية إلى دولة الإمارات خلال الفترة بين يومي 3 و5 من شهر فبراير الجاري، مصداقاً لذلك التوجه.
وبالرغم من البُعد الدولي لهذه الزيارة وأهميتها العالية والرسائل التي ستحملها للعالم ككل، أي الرسائل التي عبّر عنها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، بقول سموه: «نتطلع إلى زيارة تاريخية ننشد عبرها تعظيم فرص الحوار والتعايش السلمي بين الشعوب.. ازدهار السلام غاية تتحقق بالتآلف وتقبل الآخر»، نسير مع القارئ الكريم نحو سبر أغوار عمق قيم التسامح وقبول الآخر لدى الشخصية الإماراتية ومجتمعها وقيادته.
تظل هذه الشخصية على الدوام تنظر إلى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ليس فقط بوصفه قائداً ومؤسساً لهذا الوطن المعطاء فحسب، بل كونه جسّد هوية ذات قيم ومبادئ راسخة ظلت منهجاً تستلهم منه الشخصية الإماراتية سلوكها ‏وقيمها.
ولعل القارئ الكريم يتساءل هنا عن شواهد تدلنا على قيم زايد فيما يتعلق بالتسامح وقبول الآخر؟
يقول الشيخ خالد بن محمد القاسمي في كتابه «زايد الزعيم، موقف في ضمير الأمة»، حين سُئل الشيخ زايد من قِبل صحيفة «دي فيلت» الألمانية عن كيف يشعر المواطنون تجاه وجود القوات الأميركية في الخليج ووجود النساء في الجيش الأميركي خلال الغزو العراقي للكويت، جاء جوابه طيب الله ثراه: «حسب كتاب الله (لكم دينكم ولي دين)، كلٌ لديه كتابه وعقيدته، ولم يخلق الله البشر مماليك لأحد، بل خلقهم أحراراً سواء أكانوا في السعودية، أم الإمارات، أم غيرها، الدين الإسلامي دين سمح، ولا يعارض الأديان السماوية إلا بالتي هي أحسن».
كما كان يرى، طيب الله ثراه، أن الإسلامَ، وفقاً لما جاء في كتاب «رجل بنى أمة» لمؤلفه «غريم ويلسون»، «دين ينشر الحضارة بين الناس، ويصون الكرامة الإنسانية، والمسلم هو الإنسان الذي سلم الناس من شره، ولا يسيء إلى الآخرين، والإسلام هو دين التسامح والمغفرة لا دين الحرب. إنه دين التفاهم والحوار بالتي هي أحسن».
والحقيقة أن مرئيات الشيخ زايد في منظوره للآخر والتعايش معه، تسير في فلك القراءة السليمة للإسلام ووسطيته السمحة، والسير وفق القاعدة التي أرستها الآية القرآنية الكريمة «لكم دينكم ولي دين»، وهي ذات القاعدة المستمدة من منظور سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، للآخر المختلف. فقد تعايش، عليه أفضل الصلاة والسلام، في المدينة المنورة مع اليهود وفق تلك الآية الكريمة، وبات اليهود جزءاً من منظومة الدولة الوطنية في مفاهيمها الحالية، ولم يتم طردهم من المدينة بسبب ديانتهم ومعتقداتهم، بل بسبب التآمر على المدينة، وتهديد أمن قاطنيها. ومن الأدلة على مبدأ التسامح في الدين الإسلامي أن خيانة بعض اليهود للرسول صلى الله عليه وسلم وتهديدهم الأمن والسكينة في المدينة المنورة، كل ذلك لم يحمل وزر عواقبه سوى من قاموا به مباشرة، إذ لم يتعرض بقية اليهود لأي انتقام.. والدليل على ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد انتقل إلى الرفيق الأعلى ودرعه مرهون في دَين عند يهودي.
وتأسيساً على القيم الحضارية للدين الإسلامي وفهم رسالته السامية، تنطلق الشخصية الإماراتية في منظورها إلى الآخر، من منطلق الدين الإسلامي السمح نفسه، ومن الرؤية الواضحة للشيخ زايد طيب الله ثراه للآخر، حيث أصبحت منطلقاته الفكرية، طيب الله ثراه، بصمة بارزة في الشخصية الإماراتية وفي تفاعلها مع الآخر وفق منظور إنساني يؤكد عليه الدين الإسلامي أصلا، ثم في المجتمع الإماراتي الذي يتعايش مع مختلف الجنسيات والأديان وفق تلك المرئيات الحضارية السمحة والرحبة، لتستمر القيادة الرشيدة لدولة لإمارات على نهج التسامح الذي ارتآه الشيخ زايد لشعبه.
ومن هنا تأتي زيارة قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، وحضوره ملتقى «الأخوة الإنسانية»، والأهمية العالمية للزيارة وللملتقى.. كشواهد تمثل تطبيقاً عملياً لقيم متجذرة في الشخصية الإماراتية، نابعة من هوية تستمد مبادئها من الشيخ زايد طيب الله ثراه.