أفادت الأنباء مؤخراً بأن «جاريد كوشنر» كبير مستشاري البيت الأبيض، و«جيسون جرينبلات» مبعوث السلام الأميركي في الشرق الأوسط، سوف يقومان في نهاية الشهر الحالي بزيارة إلى خمس دول عربية خليجية، قد تمتد لدول عربية أخرى، بهدف عرض الجوانب الاقتصادية لخطة السلام الأميركية، لمحاولة قياس مستوى الدعم للشق الاقتصادي من الخطة الذي يُتوقع أن يشمل مزيجاً من المساعدات والاستثمارات لمساعدة الفلسطينيين، سعياً لتمرير الجوانب السياسية في الخطة غير المعلومة حتى الآن وإن كانت التوقعات بشأنها واضحة من خلال المواقف الأخيرة للسياسة الأميركية كالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ووقف المساعدات لوكالة غوث اللاجئين، ناهيك بالتسريبات الإسرائيلية التي تحدثت عن ضم التجمعات الاستيطانية الكبرى إلى إسرائيل، وفرض سيادتها على المسجد الأقصى، ويلاحظ أن «جرينبلات» عندما نفى هذه التسريبات استخدم وصف «غير دقيقة» وليس «غير صحيحة» لها، والمعضلة أن التقارير قد أفادت أيضاً أن «كوشنر» و«جرينبلات» لن يطلعا المسؤولين الذين سوف يلتقونهم على المكون السياسي في الخطة الأميركية برغم إدراك الدوائر الأميركية أن المسؤولين العرب الذين سيجتمع بهم «كوشنر» ورفيقه ستكون لديهم الرغبة في معرفة العناصر السياسية للخطة قبل إبداء أي رأي في الشق الاقتصادي، وتثير هذه الملابسات أكثر من إشكالية.
والإشكالية الأولى قديمة وتتعلق بسلامة المنهج الذي تُبنى عليه الخطة الأميركية، بمعنى هل تكون «الرفاهية الاقتصادية» بديلاً عن الحقوق السياسية الوطنية المشروعة؟ من الممكن أن يقبل بعض الفلسطينيين هذا النهج غير أنه من المؤكد أن البعض الآخر لن يقبل وهذا البعض قد تكون له القدرة على تخريب الخطة بأكملها، والإشكالية الثانية تنبثق من الأعباء الهائلة التي سوف تترتب على تنفيذ الخطة، ذلك أن تحقيق حياة كريمة للفلسطينيين بفرض قبولهم مقايضة هذه الحياة بحقوقهم السياسية يتطلب تمويلاً هائلاً، من الظلم أن يُطلب من الدول العربية وحدها توفيره بحجة أن بعضها شديد الثراء لأن هذه الدول ليست مسؤولة من قريب أو بعيد عن المأساة الإنسانية للفلسطينيين وإنما المسؤول هو إسرائيل ومن وراءها، وبالتالي من العدل أن يتحمل هؤلاء المسؤولية طالما أنهم يبحثون عن حلول اقتصادية لجرائم إسرائيل، وبطبيعة الحال فإن الدول العربية قدمت الدعم لشعب فلسطين وما زالت على استعداد لتقديمه لكن هذا لا يعني تملص من أجرموا في حق هذا الشعب من مسؤولياتهم، خاصة أنهم يريدون شراء تنازله عن حقوقه السياسية بثمن اقتصادي، أما الإشكالية الثالثة فنفترض فيها أن الدول العربية قبلت تمويل الخطة الأميركية من حيث المبدأ، وهنا يثور السؤال: هل يُعقل أن يتم ذلك من دون معرفة عناصرها السياسية؟ وماذا لو أن هذه العناصر تضمنت فعلاً ما جاء ببعض التسريبات كضم التجمعات الاستيطانية الكبرى لإسرائيل، وفرض السيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى، وإسقاط قضية اللاجئين، وغير ذلك من المواقف غير المقبولة؟
والسؤال مطروح في ضوء ما سبق عن الموقف العربي من هذه الزيارة، وظني أن هناك ثلاثة عناصر لهذا الموقف، أولها انتفاء أدنى شك في مرونة الموقف العربي منذ مبادرة فاس 1982 التي قامت على تلبية إسرائيل المطالب العربية المشروعة مقابل ضمانات من مجلس الأمن للسلام بينها وبين العرب، ثم ازدادت المرونة بالمبادرة العربية 2002 التي قبلت الدول العربية بموجبها التطبيع الكامل مع إسرائيل مقابل تلبيتها تلك المطالب، وحتى لو كانت الأوضاع العربية والفلسطينية الراهنة قد تفضي إلى مزيد من المرونة، فإن هناك حدوداً لها كما هو واضح في استحالة قبول السلوك الأميركي بشأن القدس، والعنصر الثاني أن التعامل مع الخطة الأميركية ينبغي أن يكون كلياً وشامل، بمعنى أنه لا يمكن الالتزام بأي تعهدات اقتصادية من دون معرفة المكون السياسي للخطة الذي قد يتضمن عناصر لا يمكن لأحد قبولها، بل إن الطريف أن إسرائيل نفسها قد ترفض عناصر بعينها في الخطة، نظراً لأنه من المتوقع أن تتضمن تنازلاً ما لصالح الفلسطينيين في مقابل المكاسب الهائلة لإسرائيل، والعنصر الثالث أن تَحَمل الأعباء المالية للخطة ينبغي أن يكون مسؤولية دولية تقع أساساً على عاتق المسؤولين عن محنة الشعب الفلسطيني، وسوف تقدم الدول العربية بالتأكيد لهذا الشعب ما يستحقه شريطة ألا يتهرب هؤلاء من تحمل مسؤوليتهم.