قدم مارتن جريفيث مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن في 19 فبراير الجاري تقريراً إلى مجلس الأمن عن الأوضاع في اليمن من منظور مدى التقدم في تنفيذ اتفاق ستوكهلم، ويستحق هذا التقرير القراءة وإمعان النظر لأنه يساعد على التوصل إلى تقييم موضوعي لجهود الأمم المتحدة في إنهاء الصراع في اليمن، والحق أن أقل ما يُقال عن هذا التقرير إنه عام للغاية، وإذا استخدمنا لغة أقسى قليلاً يمكن وصفه بأنه يحاول تجميل الأوضاع في اليمن. أما إذا أطلقنا العنان لشكوكنا، فيكون التقرير مجرد محاولة لبيع الوهم، وقد بدأ «جريفيث» تقريره بالقول بأن تقدماً «كبيراً» قد حدث منذ آخر مرة تحدث فيها إلى المجلس، وعندما يبحث المرء عن هذا التقدم الكبير يجد أنه مجرد الاتفاق على خطة إعادة الانتشار من مينائي الصليف ورأس عيسى بحيث تليها إعادة انتشار من ميناء الحديدة وأجزاء من المدينة ترتبط بالمرافق مما يسهل دخول المساعدات الإنسانية، وسرعان ما يكتشف المرء من قراءة التقرير أن الاتفاق على تفاصيل المرحلة الثانية من إعادة الانتشار لن يتم إلا بعد دعوة جريفيث «الطرفين» إلى تنفيذ الاتفاق دون مزيد من التأخير.
وإذا انتقلنا إلى ما بدا أنه أول إنجاز لجولة ستوكهلم، وهو الإفراج عن الأسرى نكتشف أن خطوة تنفيذية واحدة لم تتم مع أن هذه المسألة تُعًد أبسط قضايا الصراع لأن مصلحة طرفيه فيها واضحة، ولذلك فإن حديث المبعوث الدولي في هذا الصدد لا يتجاوز عقد الاجتماعات (في عَمان) التي حدث فيها تقدم لا نعرف حقيقته تحديداً لكنه يأمل في أن يكون الإفراج عن الدفعة الأولى قريباً بقوله: «لسنا بعيدين عن إطلاق سراح الدفعة الأولى»، ويلاحظ أن عدم التحديد وبالذات من منظور الجداول الزمنية للتنفيذ سمة عامة في التقرير.
وفي محاولة للتوصل لتقييم موضوعي لجهود المبعوث الدولي لابد أن نبدأ بأنه يتبع نهج «الخطوة خطوة»، فهو يعترف في تقريره بأن اتفاق استوكهلم كان الغرض منه أن يكون خطوة أولية هدفها إنساني، ولكنه وفقاً لكلماته «ليس نهاية القصة لأن الحل الشامل هو السبيل الوحيد لحل الصراع»، وهذا صحيح تماماً، ولكن السؤال يثور على الفور: متى تنجح دبلوماسية الخطوة خطوة؟ في ضوء الخبرات السابقة لا يمكن أن يحدث هذا إلا إذا كانت لدى أطراف صراعٍ ما نية صادقة لحل الصراع، فهل تتوفر هذه النية في «الحوثيين»؟ لقد أسهب «جريفيث» في مديح عبد الملك الحوثي لانخراطه «الإيجابي والمستمر» في جميع المناقشات حول الحديدة وبشأن القضايا اللوجستية الحيوية اللازمة لنشر بعثة الأمم المتحدة إلى الحديدة، فهل اطلع على تصريحات أنصاره التي تتحدث عن أن تحول تفاهمات ستوكهولم من الجزء إلى الكل بحيث تشمل مجمل الصراع في اليمن لا يمكن أن يتم إلا بعد أن يحدث «توازن قوى» على الحدود اليمنية-السعودية؟ وهو ما يعنى نية مبيتة للتصعيد، ويدعونا هذا إلى مراجعة نهج الأمم المتحدة أصلاً بشأن إنهاء الصراع اليمني، وتشير التطورات بوضوح شديد إلى أن هذا النهج قد انتقل من التأييد الكامل وغير المشروط للشرعية اليمنية كما تجسد في القرار 2216 إلى الحديث الآن عن «طرفي الصراع» وامتداحهما معاً لتعاونهما في التوصل إلى الاتفاق. لقد تحدث القرار بوضوح عن فرض عقوبات على الانقلابيين وتسليم أسلحتهم والانسحاب من الأراضي التي يسيطرون عليها بما في ذلك صنعاء، وبدلاً من أن تسعى الأمم المتحدة إلى تنفيذ هكذا قرار، باتت تساوى بين الطرفين وتمتدحهما معاً، والأكثر من ذلك تسارع إلى الدعوة لضبط النفس ووقف إطلاق النار عندما يبدو أن قوات الشرعية اليمنية والتحالف العربي على وشك إحراز تقدم أكيد كما بدا في معركة استعادة الحديدة، وذلك بدعوى مراعاة الاعتبارات الإنسانية وكأن بقاء «الحوثيين» وممارساتهم في الأراضي التي يسيطرون عليها ليست مجافية بالفعل لأبسط الاعتبارات الإنسانية. يحتاج نهج الأمم المتحدة في تقديري إلى مراجعة واجبة لأن «الحوثيين» يراهنون على أن الوقت سوف يساعدهم على ترسيخ وجودهم في المناطق التي يسيطرون عليها وربما في غيرها، ولن تنجح جهود الخطوة خطوة في ظل غياب إرادة لإنهاء الصراع يبدو للأسف أنها لن تتبلور إلا بمزيد من توظيف القوة.