شهدت المنطقة العربية خلال الأعوام والعقود الماضية تغيرات كبيرة، اجتماعية واقتصادية وسياسية، لعل بعضها مما سهل على إسرائيل مهمتها في مزيد من الاستيطان والتوغل داخل أرض فلسطين (وضمنها القدس)، بينما فشل الفلسطينيون، ومن ورائهم العرب، في وقف الزحف الإسرائيلي. فالدولة العبرية بفعل مقدراتها الاقتصادية والإعلامية والسياسية ونفوذها داخل دوائر القرار في الدول الكبرى، باتت تتمتع بحضور ونفوذ غير قليلين أيضاً في أكثر مناطق آسيا وأميركا اللاتينية وأفريقيا.
وقد كشف «اودير نيون»، الموظف السابق في وزارة الخارجية الإسرائيلية، عن بعض الأهداف المستقبلية لإسرائيل عندما قال: «إن أهداف إسرائيل المستقبلية في المنطقة العربية هي: تقسيم المنطقة إلى دويلات صغيرة، وتفتيت دولها عن طريق اللجوء إلى إذكاء النعرات الطائفية والعرقية وإشعال النزاعات الحدودية بين البلدان العربية».
وقريب من هذا ما فعلته وتفعله الآن في أفريقيا لتحقيق مصالحها وزيادة تغلغلها هناك. وقد كشفت الدكتورة أماني الطويل، مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عن جانب من الدور الخفي لإسرائيل في ما تشهده أفريقيا والمنطقة العربية من اضطرابات وعنف وصراعات طائفية. وتضرب الكاتبة المثل بالاضطرابات القائمة في المناطق الشرقية والشمالية لجمهورية الكونغو الديمقراطية، وما تقوم به هناك شركات الألماس، ومعظمها إسرائيلية. فالإقليم الشرقي من الكونغو لم يكن ضمن الدوائر الانتخابية التي شملتها الانتخابات الرئاسية والنيابية الأخيرة، لخروجه عن السيطرة جراء عنف الاضطرابات المندلعة فيه. والشيء ذاته تقريباً في إقليم كيفو بشمال البلاد، وما يشهده من تمرد ضد سلطة المركز (العاصمة كينشاسا)، والسبب هو منع المساس بمصالح شركات اليورانيوم الإسرائيلية.
وقد سبق للجنرال موشيه يعلون، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، أن قال في مقابلة مع صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، إنه «لم يعد هناك شيء اسمه العالم العربي، ولم نعد نتكلم عن عالم عربي».
وكان بريجينسكي، مستشار الأمن القومي السابق في عهد الرئيس الأميركي كارتر، قد قال هو أيضاً: «إن الشرق الأوسط في السنين القادمة سيتحول إلى كانتونات تضم جماعات عرقية ودينية مختلفة، وهذا سيسمح للكانتون الإسرائيلي بالعيش في المنطقة».
هذا علاوة على دعوات من مراكز الأبحاث الغربية والإسرائيلية والعديد من المفكرين الإسرائيليين والأميركيين، لبلقنة العالم العربي عبر تشجيع الأعراق والطوائف والأقليات وزيادة إحساسها بالتمايز والمظلومية. وكان برنارد لويس أحد مروجي خطط التقسيم والتفتيت، ولعله كان واضحاً أشد الوضوح من خلال المخطط الذي قدمه عام 1985، والذي اقترح فيه سايكس بيكو جديدة، أي المزيد من تقسيم العرب، ونشر الفوضى في دولهم، ودعم المظاهرات الاحتجاجية فيها، واستدعاء وخلق جماعات جديدة تعتنق الإسلام السياسي، ومنع قيام أي نهضة صناعية عربية، والحيلولة دون توحيد الدول العربية.. كل ذلك ضماناً لتفوق إسرائيل على جميع الدول العربية منفردة ومجتمعة.
وفي الأعوام الأخيرة بدأ الوعي العربي يدرك أن العلاقة بين المشروعين الصهيوني والإيراني علاقة قوية رغم طابعها الخفي؛ فهما معاً يسعيان لتفتيت المنطقة العربية، ولم يعد سراً أن إسرائيل وإيران وراء كثير من الصراعات والقلاقل التي تقع في بعض الدول العربية.

*كاتب إماراتي