الشراكة فرصة لتعميق القواسم المشتركة عبر التفاهم السياسي الحقيقي، خاصة فيما يخص الهموم والقضايا الكبرى في مواجهة سياسة عنصرية استيطانية كالسياسة الإسرائيلية الساعية للتفريق والانقسام داخل الصف الفلسطيني بل والعربي عموماً. ويبدو أن البعض في «فلسطين الداخل»، وخارجها، ما زالوا غير مدركين بالكامل حقيقةً سوداويةً يعيشها الشعب الفلسطيني، وهي أن الانقسام الفتحاوي الحمساوي هو، بحد ذاته، نكبة جديدة. وفي هذا السياق، ربما يكون من أسوأ التطورات مؤخراً محاولة البعض تكريس النهج الانقسامي المعاش، لكن هذه المرة في أراضي فلسطين 48، رغم الإنجاز الانتخابي الذي حققوه في عام 2015، سعياً وراء بناء مشروع جماعي للعمل السياسي العربي داخل الكيان الصهيوني (أراضي 48).
لقد بات معروفاً، في ضوء الاستعدادات والتحالفات للانتخابات التشريعية المبكرة للكنيست (البرلمان الإسرائيلي) في 9 أبريل القادم، أن الجهود التي سعت لإعادة توحيد الأحزاب العربية في قائمة واحدة في فلسطين 48 لزيادة قوتها في الانتخابات قد فشلت. وكان الجميع ينتظر ويتمنى نجاح جهود التوحيد لخوض الانتخابات في قائمة مشتركة بعد رفع نسبة الحسم التي يُخشى أن تجعلهم خارج «الكنيست» على ضوء استطلاعات الرأي التي تشير إلى أنه في حال توحّد الأحزاب العربية سيؤدي الأمر إلى نسبة تصويت أعلى في الوسط العربي. ?ومع ?الفشل ?في ?تحقيق ?الهدف ?التوحيدي ?الكامل ?المشار ?إليه، ?ومع ?أنه ?كان ?يمكن ?لدرجة ?الفشل ?أن ?تكون ?أعلى ?متسببةً ?في ?كارثة ?سياسية ?فيما ?لو ?لم ?تتفق ?الأحزاب ?على ?قائمتين ?وبقيت ?مبعثرة ?في (?3) ?أو (?4) ?أو (?5) ?قوائم ?تحرق ?آلاف ?الأصوات ?الانتخابية، فقد ?تأكد ?قبل ?بضعة ?أيام ?أن ?الأحزاب ?العربية ?ستخوض ?الانتخابات ?بقائمتين ?منفصلتين، ?هما ?قائمة ?التحالف ?بين «?حداش» (?الجبهة ?الديمقراطية ?للسلام ?والمساواة) ?و«?تعل» (?الحركة ?العربية ?للتغيير)?، ?وقائمة ?التحالف ?بين ?الحركة ?الإسلامية- ?الجناح ?الجنوبي ?و«?بلد» (?التجمع ?الوطني ?الديمقراطي)?. ?هذا، ?عدا ?عن ?تطورات ?أخرى ?مرافقة ?ومواكبة.
ففي خضم جهود المحاولات التوحيدية في «الداخل الفلسطيني»، التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعضو الكنيست «طلب أبوعرار» من «القائمة العربية للتغيير»، وشدد على «وجوب خوض الأحزاب العربية الانتخابات في قائمة مشتركة كي تزيد من قوتها»، ما اعتبره البعض الفلسطيني في الداخل المحتل تدخلا من الرئيس الفلسطيني في الانتخابات الإسرائيلية! وفي الوقت ذاته، رفض الإسرائيليون ما سمي «تدخل عباس في الانتخابات الإسرائيلية». فالنائب عن حزب الليكود (ميكي زوهر) رئيس لجنة النظام في «الكنيست»، طالب بفتح تحقيق فوري حول شبهات تدخل جهات خارجية في سير الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، ومعاقبة الرئيس الفلسطيني. وقال زوهر: «إننا أمام مسألة غاية في الخطورة، فالحديث يدور هنا عن تدخل لجهة غريبة مناوئة لإسرائيل في الانتخابات». وليت الأمر توقف عند هذا الحد! ذلك أن بعض القيادات العربية ذات التاريخ المشهود له، اعتبرت أن «ما يحصل من تدخل مباشر وبشكل إعطاء أوامر من قبل رئيس السلطة الفلسطينية أو أي من رجاله، هو أمر مرفوض جملة وتفصيلا.. لقد مر زمن التعامل معنا كأتباع ومن خلال الفتات الذي يوزع هنا وهناك. نحن جزء هام ومتكافئ في الشعب الفلسطيني ولسنا ملحقين بأحد!».
ونتساءل: ما الخطأ في أن يبدي الرئيس الفلسطيني (وغيره) خوفَه على «القائمة المشتركة» التي صوت لها في العام 2015 ما نسبته 84% من فلسطينيي 48، ففازت بـ 13 مقعداً في «الكنيست»؟ بل نؤكد أن من حق الرئيس (وأي مسؤول فلسطيني آخر أو أي مواطن فلسطيني أو عربي أو مسلم) أن يتدخل طالما أنه يستهدف رأب الصدع والتوحيد، وبخاصة وأن الرئيس الفلسطيني أعلن إيمانه الصريح بأن «تشكيل القائمة المشتركة قبل 4 سنوات، أحيى الروح المعنوية للشعب الفلسطيني ولسائر الوطنيين العرب الذين يعيشون إحباطاً شديداً بسبب التمزق الفلسطيني والانقسام بين الضفة وغزة. صرنا نقول إنكم حققتم أملاً يراود شعوبنا العربية منذ عقود طويلة. فنحن تربينا على الشغف بالوحدة. فلا تخيبوا آمالنا». وكان قد بدا واضحاً أنه لا توجد بين الأحزاب أي خلافات أساسية أو شبه أساسية حول البرنامج السياسي والأهداف، وأن كل ما في الأمر خلافات على من يقود القائمة وعدد مقاعد كل حزب وكيف توضع أسماؤهم في القائمة.. إلخ.
لقد أصبحت الأحزاب العربية مضطرة الآن لمواجهة أزمة ثقة مع جمهور ناخبيها، وهو ما أشار إليه المحلل السياسي «جاكي خوري»، إذ كتب يقول: «الآن ستضطر الأحزاب الأربعة إلى تقديم إجابات في محاولة لإعادة بناء الثقة وسط جمهور الناخبين، وإقناع غير المبالين منهم بالخروج من منازلهم والتوجه إلى صناديق الاقتراع في يوم الانتخابات. فعملياً تعرّض هذا الجمهور لصراع على الأنا وحرب لا لزوم لها على توزيع المقاعد والمناصب وتبادل الاتهامات.. مسرحية لا يمكن وصفها سوى بالمخجلة، ومن شأنها فقط أن تزيد من اشمئزاز العديد من الناخبين وأن تدفعهم إلى مقاطعة الانتخابات». فهل كان خوري مبالِغاً فيما ذهب إليه، أم أنه أصاب كبد الحقيقة؟

*كاتب وباحث سياسي