الحدث الراهن كان مهرجان «المعرض الغذائي» الأربعين حسب تسلسل انعقاده منذ المعرض الأول عام 1979. ولكل حدثت في دبي قصة تولَّدت من خلالها قصص مبنية ومروية، لا يحد ذكرها الآفاق، وهي تصقل التجارب وتبرهن على صدق النتائج ونجاحها.
المعرض الغذائي الأربعون، والثاني حجماً على مستوى العالم، ففي التركيز عليه فائدة مستمرة تلحق بجميع الأحداث المحلية العالمية الكبرى. من يصدق أول مهرجان غذائي أقيم في خيمة صغيرة أمام مطار دبي الأول، وكان نوع الأغذية المعروضة من بريطانيا وحدها، وذلك بحكم قرب تواجدها في المنطقة وأيضاً لثراء أراضيها بمختلف المنتجات الزراعية. وعندما تأسس المركز التجاري عام 1979 وكان يعتبر في حينه أطول مبنى في الشرق الأوسط، وكان برج القاهرة، هو الأعلى من قبل ذلك، وعلى ضوئه انتقل المعرض الثاني إلى هناك وهكذا دواليك إلى يومنا هذا.
برج راشد رحمه الله، أصبح له امتداد في برج خليفة حفظه الله، وأكمل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، المسيرة في تدشين برج جميرا، وهو الأطول على وجه الأرض ودبي جديرة به. هذا النموذج من التميز لم ينشأ من فراغ، بل من ورائه رجال من آل مكتوم تعاهدوا على المضي في هذا النهج، من عهد الشيخ بطي بن سهيل آل مكتوم، مروراً بالشيخ سعيد والشيخ راشد والشيخ مكتوم رحمهم الله، إلى أن حان زمن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، والقاعدة الأساسية التي تربطهم جميعاً هي التسامح. فدبي عدت بفضل هذه السلالة المباركة، سمحة إذا باعت وسمحة إذا اشترت، وسمحة إذا صدّرت وسمحة إذا ورَّدت.
ومن يخرج من المسؤولين العموميين من هذا «السنع» المستدام، فإن الإعفاء من المسؤولية العمومية لاحقه لا محال بعد تكريمه من أصحاب السيادة، فدبي مليئة بالبدائل التي تستطيع استكمال مسير ما بدأ به الأوائل العظام. نستطيع أن نسمي هذه القاعدة الصلبة في التسامح وفقاً لبعض المقاييس والمواصفات والمعايير العالمية بالقاعدة البلاتينية. الناظر على مد بصر خور دبي هذا الشريان الحيوي المائي الذي كلف الحكومة قرابة خمسة مليارات درهم لإطالة عمره الافتراضي الحضاري لمئات من السنين المقبلة على أجيال المستقبل وهو من الأحلام العظيمة التي لها بداية وليس لها نهاية كما سماها بوراشد في قصته.
امتداداً من ميناء الحمرية إلى مدخل خور دبي، تلتقط عدسة العين البصيرة وليست النظرة فقط، صورة بانورامية تفيض بماء الحياة على أكثر من نصف مليار من البشر من حولنا في قارتي آسيا وأفريقيا تمولهم قرابة ألف سفينة منتظمة في اصطفافها، تحمل على ظهورها ما لذ وطاب من كل ما في العالم الأكبر من كافة المنتجات الخفيفة والثقيلة، والذي يحرك كل هذه السفن والبواخر قاعدة أخرى من القواعد الراسخات في قلب دبي، والتي أسميها بالقاعدة الماسِّية في تبسيط إجراءات تخليص معاملات هذه القدور الراسيات في خور دبي للانطلاق إلى العوالم الأخرى على مدار الساعة.
مبدأ التنافسية راسخ في جذور دبي وفي عروق مشاريعها الرائدة، فهي ليست مثل لندن ولا هونج كونج ولا نيويورك، فهي تشبه نفسها، فهي محصلة مجموعة حضارات كونية تجتمع في مكان رائع اسمه دبي. ما السر في ذلك؟ السر نجده في هذه القاعدة الذهبية التي أوصلت دبي إلى المراتب العليا في كثير من المؤشرات العالمية، وهي نأي الحكومة عن التدخل في المشاريع الناجحة، وتركها حرة في طريقها التجاري أو خطها الاقتصادي، لأن نجاحها في نهاية المطاف من نجاح دبي.
وأبرز مثال على ذلك، «طيران الإمارات» عندما تم تدشينها عام 1985 كشركة خاصة، فاليوم تساهم في الاقتصاد الوطني لدبي قرابة 20% من إجمالي الناتج المحلي وهو ما لا يساهم به النفط، وقد ساعدت في إيصال المسافرين القادمين إلى دبي إلى القادم مليار. وقس على ذلك أي مشروع مستدام أصبح ركيزة التنمية ورافعة للحكومة الماضية في طريق التميز منذ البداية.
*كاتب إماراتي