مع إعلان النائب العام الإسرائيلي قراره بتوجيه تهم فساد إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي -وهي المرة الأولى التي تُوجه فيها مثل هذه التهم في إسرائيل لرئيس وزراء مازال في منصبه- زادت احتمالات خسارته الصدارة في الانتخابات التشريعية في أبريل القادم. وأقول زادت، لأن احتمالات خسارة الصدارة مطروحة منذ أُعلن ميلاد تحالف «أزرق-أبيض» الشهر الماضي بين حزبى «حصانة إسرائيل» (يسار وسط) بزعامة بينى جانتس رئيس الأركان السابق و«هناك مستقبل» بزعامة يائير لبيد (وسط) على أساس تقاسم رئاسة الحكومة بينهما حال الفوز بتشكيل الحكومة بحيث يتولى جانتس الرئاسة لسنتين ونصف سنة، يليه لبيد لبقية المدة، وقد اعتُبر تشكيل هذا التحالف تحدياً حقيقياً لنتنياهو باعتباره أول تكتل سياسي إسرائيلي يكون مدعوماً من ثلاثة رؤساء أركان سابقين بكل ما للجيش الإسرائيلي من وزن في الحياة السياسية الإسرائيلية، فضلاً عن أن هذه الحقيقة تجعل مزايدة نتنياهو عليه في قضايا الأمن، سواء ما تعلق منها بالقضية الفلسطينية أو بإيران، أمراً بالغ الصعوبة. وبالفعل كانت استطلاعات الرأي العام في إسرائيل تشير قبيل إعلان تحالف «أزرق-أبيض» إلى أن تحالف اليمين بزعامة نتنياهو سيحصل بالكاد على 59 مقعداً ثم بدأت الأمور تتغير بعد إعلان التحالف الجديد، فصرح مرشح على قائمة «الليكود» بأن فوز اليمين لم يعد مضموناً، أما بعد إعلان اتهام نتنياهو فقد كشفت استطلاعات الرأي عن اتساع الفارق لصالح التحالف الجديد، وأظهر استطلاع أجرته قناة «كان» العبرية الرسمية أنه لو أُجريت الانتخابات يوم الاستطلاع فسيحصل «أزرق-أبيض» على 37 مقعداً بينما يحصل «ليكود» على 29 فقط، وفي استطلاع آخر أجرته إذاعة 103 الإسرائيلية اتسع الفارق إلى 12 مقعداً (37 و25 على التوالي).
ولا شك أن نتنياهو قد شعر بقلق شديد من هذا التطور، بدليل الحملة الضارية التي شنها على التحالف الجديد مُلَمحاً إلى أنه سوف يفرط في أمن إسرائيل من خلال اتهامه بالتعاون مع أحزاب فلسطينيي 1948 رغم أنه يعرف أن التحالف بينهما شبه مستحيل، سواء لأن التحالف الجديد يعمل في إطار الأيديولوجية الصهيونية أو لأنه لا يريد أن يفقد إمكانية أن تصوت له بعض الأحزاب اليمينية «المعتدلة». ولم يكتف نتنياهو بالهجوم على التحالف الجديد، وإنما عمل على توسيع قاعدة ائتلافه حتى ولو كان الثمن هو التعاون مع أحزاب سيئة السمعة كحزبي «البيت اليهودي» و«القوة اليهودية» اللذين قاما برعاية تكوين تحالف بينهما، علماً بأن ثانيهما هو وريث حركة «كاخ» اليهودية المتطرفة المعادية للعرب التي ينتمي إليها مخطط مجزرة الحرم الإبراهيمي ومنفذها عام 1994، والطريف أن هذا السلوك من قِبَل نتنياهو قد استُهجِن من منظمة «إيباك» أهم مؤسسات اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، حيث نشرت تغريدة على صفحتها في «تويتر» نصها: «إيباك تتبع سياسة قائمة منذ مدة طويلة تتمثل في عدم الاجتماع مع أعضاء هذا الحزب العنصري البغيض».
لا يستطيع أحد مع ذلك أن يجزم بفقدان نتنياهو الصدارة في الانتخابات القادمة، فقد كانت استطلاعات الرأي في الانتخابات الأخيرة في غير صالحه، ومع ذلك فاز فيها بتشكيل الحكومة للمرة الرابعة، ومن المؤكد أن المدة المتبقية على إجراء الانتخابات ستشهد منافسة شرسة قابلة لكل الاحتمالات، خاصة وأن أحداثاً استثنائية قد تحدث من الآن وحتى موعد التصويت. ورغم أن اختفاء نتنياهو من المسرح السياسي الإسرائيلي سوف يُحدث ارتياحاً واسعاً في الشارع الفلسطيني والعربي لما ارتبط بحقبته من ممارسات بالغة العنصرية ضد الفلسطينيين، فإنه لا ينبغي أن تساورنا الأوهام بشأن حلول وردية يمكن أن يأتي بها ائتلاف يسار الوسط الجديد. صحيح أنه سوف يكون أقل فجاجة وأكثر اهتماماً بالقضية الفلسطينية، لكن ينبغي أن لا ننسى أنه يدور في فلك استراتيجية الدولة الإسرائيلية وبالتالي يمكن أن تُتخذ إجراءات للتخفيف عن الفلسطينيين أو حتى إبطاء وتيرة الاستيطان لكن الحلول الجذرية للقضية الفلسطينية ستبقى بعيدة طالما بقيت أوضاعنا الفلسطينية والعربية على ما هي عليه. فلن تكون هذه الحلول مطروحة أصلاً في ظل استمرار الانقسام الفلسطيني والتفكك العربي، بل لقد عجز فلسطينيو 1948 في هذه الانتخابات عن الحفاظ على وحدتهم التي تحققت في الانتخابات السابقة.