لم يتعثر قلمي، ولم أتأخر في طرح الموضوع فحينما كتبتُ «عالم المرأة اليومي»، لم يفتني ما يتردد على الأسماع وأشرطة الأخبار وصفحات المجلات ذات الألوان الباهية الوردية، ومحلات بيع الزهور بمناسبة يوم المرأة العالمي، الذي يوافق الثامن من مارس كل عام على تقويم «البعض»، ولكنه يوافق كل يوم في السنة على تقويم العقلاء وعيون الثقافات والعلم والأدب والإدراك أولاً. حيث تحمل المرأة بداخلها، طاقات توجه لعوالم من العلم والثقافة والأدب وأسس التطور والبناء حيثما حلت على الخريطة، ولكنها -بلا تعميم- لا تزال تعيش حالة «الكنز الدفين»، الباحث عن بقعة النور التي ينطلق منها تاركةً في كل خطوة بصمة لم يسبق لها أن تكون.
و أرى أنه من النهضوية والبنائية بمكان توثيق روابط «دبلوماسية جندرية» عاملة على تخطي عوائق النزاعات الفكرية والسلطوية في الصورة المجتمعية النمطية الرتيبة، بين ذكر وأنثى وصولاً لمجتمعات سندان عدالتها الكفاءات والإنجازات فوق كل شيء دونه، وعدم تقييد دورها أو قوقعته على جانب دون الآخر، وكما قال الشيخ زايد – رحمه الله-: «لابد أن تمثل المرأة بلادها في المؤتمرات النسائية بالخارج لتعبر عن نهضة البلاد وتكون صورة مشرفة لنا ولمجتمعنا وديننا الذي أعطاها كافة هذه الحقوق».
أننا جميعاً نؤمن إيماناً عميقاً بالمكانة المتفردة والتي هيئت لها المرأة تكويناً وفطرةً ربانية من حيث مشاركتها في مسؤولية تهيئة الأجيال الصاعدة وتربيتها تربية سليمة متكاملة، إلا أنه من المجحف حصر تلك الودائع الربانية من ملكات فكرية وطموح وإرادة عالية، وعدم إشراكه في العملية النهضوية للمجتمعات، ومن ينادي هنا وهناك بأن المرأة لا تصلح لدون وظيفتها الفطرية، باعتبار أنها كتلة مشاعر عالية المستوى، فهو في الحقيقة يناقض نفسه، فكل أنموذج باهر وفي شتى المجالات الحياتية، قد بني على الحب، وعاطفة الإرادة والقوة والتنافس الإيجابي، وليس أدل على ذلك من عودتنا لأرشيف البيئة والمراحل البنيوية التكوينية لأعظم القادة والمنجزين.
وإني إذ لا أنكر حقوق المرأة عامةً، والاحتفال بتخصيص يومٍ لها خاصةً ولكن حبذا أن يكون يوم احتفال بالتقدم المحرز بأنامل العنصر النسوي القيادي وإبرازه في المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية والفنية، والتي لم تعد بغريبة عن الواقع، وممن يحضرن في هذا السياق الشيخة لبنى بنت خالد القاسمي كأول وزيرة على الإطلاق في تاريخ دولة الإمارات، حيث شغلت منصب وزيرة الاقتصاد والتخطيط، وحازت على المرتبة الأولى وفق قائمة مجلة «فوربس»، كأكثر النساء نفوذاً، وأيضاً مريم المنصوري أول إماراتية تحمل رتبة رائد طيار في سلاح الطيران الإماراتي.
وحري بنا أن نفخر بما وصل له بعض المجتمعات اليوم من رغبة عارمة في رفض التعدي على أي من حقوق المرأة، بل وتعدى ذلك لحملات شبابية من مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي، يطلقون من خلالها العنان للحث على التوعية وشحذ همم القاعدات تحت تأثير «التحجيم المجتمعي»، وصولاً بهن إلى نماذج نسوية بارزة على الساحة العالمية توصل رسالتها وتدافع عن حقوقها بل وتكسب رهاناتها، دون أدنى تشكيك.
ولنجعل كل يوم هو يوم تشجيع لإطلاق المرأة وانطلاقها، ولنقول لها «أنتِ» على مدار السنة، ولنصفق لإنجازاتها ونكرمها على الملأ فهي قادرة على أخذ الإلهام من بنات جنسها أمثال فاطمة الفهري – مؤسسة أول جامعة في العالم- وماري كوري -أول الحاصلات على نوبل في الفيزياء- والأم تيريزا أيقونة العمل الخيري، وأوبرا وينفري أكثر المؤثرات على الصعيد العالمي، وفالنتينا تيريشكوفا أول رائد فضاء بالتاريخ ومارجريت تاتشر أو ماعرفت به «المرأة الحديدة»، وغيرهن الكثير ممن يحطننا بمجتمعاتنا واللاتي لم يحظين بعد بفرصة تقدير تروي برعمها الأول قبل أن يضمر، فلنكن أنا وأنت دافعها.
*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة