المصطلح غربي بالأساس، لذلك ينبغي التماس معه في ذات الإطار، فالغرب لا يخاف من الإسلام كدين للعالمين، بل يُخوَّف منه عبر شتى وسائل الإعلام التي تروج للكراهية والعنصرية ونبذ المهاجر إليه، وإن كان مسالماً ومتسامحاً وخاضعاً لقوانين بلدان المهجر.
بعد الجريمة الإرهابية في نيوزيلندا حيث قُتل أكثر من 50 مسلماً مسالماً في بيت عبادة، ومنهم مَن يسلِّم على حامل الرشاش ويناديه: «السلام عليك يا أخي»، فيرد عليه بوابل من الرصاص في رأسه، بلا جريرة ولا ذنب ولا شيء بالمطلق ولا بالمنطق.
للأسف البعض ممن علقوا على هذا الإرهاب «الأوروبي»، نددوا على استحياء مخافة الاتهام بالدفاع عن الإسلام وتأييد الإرهاب، وإن طالب البعض بتشريع قوانين تتعامل مع «الإسلاموفوبيا» كالنازية.
والسؤال الذي تنبغي الإجابة عليه في جريمة نيوزيلندا هو: ماذا فعل الإسلام في هذا المهجر منذ الجيل الأول للمسلمين هناك، حتى يدفع جيلهم الحالي الثمن في مجتمع مسالم بهذه الصورة البشعة؟!
لم يرتكب الإسلام في تاريخه إبادة بحق الشعوب أياً كان جنسها أو دينها. في القرن الخامس للهجرة حكم المغول الهند الهندوسية بتسامح لم يتكرر مثله في التاريخ البشري. لقد أكرم الحاكم المسلم ملكها، وتزوج من ابنته دون أن يلزمها بتغيير دينها، بل شرع في بناء معبد هندوسي في قصرها.
وفي الأندلس لم يرِق صقرُ قريش دمَ مسيحيٍ واحدٍ، وأقام العدل بينهم وبين اليهود، وبعد تغير الأحوال صدَّر الصليبيون المسلمين في علب السردين إلى الأصقاع كنوع من جزاء سنمّار لم يشهد التاريخُ البشريُّ مثلَه.
وعندما أصيبت إيرلندا في فترة تاريخية بمجاعة مشهورة، بسبب فساد محصول البطاطس في أرضها، لم تنقذها أوروبا جارتها، بل قام أحد الخلفاء المسلمين بإرسال المساعدات الإنسانية إليها دون أن يشترط عليها الدخول في الإسلام.
وفي عهد معاوية كان اليهودُ أسعدَ الأجناس في المجتمع المسلم، وهم الذين نشروا قصة شعرته التي كان يحكم بها شؤونهم، فإن شدوا أرخى وإن أرخوا شد.
هذا هو الإسلام الفعلي الذي ليس له نموذج حي في مجتمعاته، فكيف نقنع به الغرب، إذا ما خرجت ثلة مارقة لارتكاب الإرهاب والتطرف باسمه!
اليوم ونحن أمام مجزرة جديدة للتطرف الغربي، وليس الإسلامي، الغرب يتحمل مسؤولية التطرف اليميني فيه. لماذا في الشرق هناك تحالف عسكري ضد «داعش» ومريديه، ولا يوجد تحالف فكري يلجم متطرفي الغرب الذين يهدمون جسور التعايش بين المسالمين في مجتمعاتهم منذ قرون.
نسأل حكام أستراليا: مَن الذي أباد السكان الأصليين فيها؟ ونسأل حكام أميركا: مَن الذي أباد الهنود الحمر في قارتهم وضيقوا عليهم سبل العيش الكريم؟ ونسأل السويسريين: مَن أوقف المجازر القبلية التي دامت بينكم لثلاثة قرون سوى جان جاك روسو بعقده الاجتماعي؟
وأين أوروبا اليوم من هذا العقد؟ المهاجرون إليكم ليسوا كلهم من المسلمين، بل بشر من بني الإنسان يستجيبون للتساؤل الرباني: «ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا إليها». لابد أن تخوض أوروبا حرباً فكرية منصفة ضد نفسها إذا أرادت أن تنصف الآخرين على أرضها.
أما الإسلام، فلا يضار بتخاذل أهله، لأن الحق تعالى أقر هذه الحقيقة منذ الأزل: «وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم» (سورة محمد: الآية 38)، وأحد هؤلاء الأقوام أوروبا التي تدخل شعوبها الإسلام وفقاً لمراكزهم البحثية بنسبة عالية، ولن يحل العام 2030 إلا وقد أصبح الإسلام الدين الثاني في أوروبا وأميركا، مما يمثل شهادة للإسلام من غير أهله بأنْ لا علاقة له بالتطرف ولا بتصرفات الإرهابيين الذين لا دين لهم وإن ادّعوا خلاف ذلك.