بمناسبة الذكرى الأربعين لتوقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في 26 مارس عام 1979، أبدت مراكز البحوث والصحف الإسرائيلية اهتماماً كبيراً ببحث حالة العلاقات المصرية الإسرائيلية على المستويات الرسمية والشعبية. وقد أجمع الباحثون الأكاديميون الإسرائيليون المختصون في الشؤون المصرية والسفراء السابقون الذين خدموا بالسفارة الإسرائيلية في القاهرة، على استخدام مصطلح «السلام البارد» لوصف موقف الشعب المصري على مدى أربعين عاماً الماضية، هذا على الرغم من وصفهم السلام الرسمي بالمستقر. والمدهش أن كل هؤلاء يتذكرون أن صاحب هذا المصطلح هو بطرس غالي، وزير الدولة المصرية للشؤون الخارجية، والذي أصبح بعد ذلك سكرتيراً عاماً للأمم المتحدة. كان الرجل أستاذاً للعلوم السياسية، وكانت لديه القدرة على نحت المصطلحات التي تحمل طابع التقييم السياسي.
المهم أن جميع الخبراء والسفراء الإسرائيليين الذين تعرضوا للمناسبة كشفوا عن أنهم استطاعوا وضع يدهم على سببين لهذا السلام البارد من جانب جماهير الشعب المصري؛ الأول عدم حل القضية الفلسطينية، والثاني هو الخطوات العدوانية ضد الدول العربية التي مارستها إسرائيل منذ توقيع معاهدة السلام.
وعلى سبيل المثال، يذكر الشارع العربي عملية قصف المفاعل النووي العراقى، وعملية غزو لبنان في عام 1982، كما يذكر إصدار الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) لقانون ضم الجولان وقانون ضم القدس، فضلاً عن عمليات الاستيطان المتواصلة في الضفة الغربية، وحملات القصف الشامل ضد قطاع غزة المحاصر، براً وجواً وبحراً.
ويرى الخبراء والدبلوماسيون الإسرائيليون، وعن حق، أن تلك الممارسات والمواقف والسياسات تؤكد للشعب المصري أن الصورة السلبية لإسرائيل، وهي صورة الوحش الإسرائيلي العدواني التوسعي، ما زالت مستمرة ولم تتغير رغم اتفاق السلام الموقع مع القاهرة. وهنا يصف هؤلاء الباحثون الإسرائيليون موقف الشعب المصري في عنصرين: الأول؛ هو الترحيب بكونه استطاع تحرير سيناء بمزيج من العمل العسكري في حرب أكتوبر عام 1973 والعمل السياسي في معاهدة السلام، وبالتالي فهو مرتاح لهذه المعاهدة واستقرارها لأربعة عقود.. والثاني كونه يشعر بالتعاطف الشديد مع الشعب الفلسطيني، لذا فهو يتجنب زيارة إسرائيل أو التعامل مع الإسرائيليين الذين يزورون مصر.
وكباحث مصري عربي أؤكد صحة هذا الفهم لدى الخبراء والسفراء الإسرائيليين، وبرهان ذلك أن لدينا في جامعات مصر ثلاثة عشر قسماً للدراسات العبرية والإسرائيلية، كلها ترفض التطبيع الأكاديمي، وترفض استقبال أساتذة زائرين إسرائيليين، كما ترفض قيام الأساتذة والطلاب المصريين بزيارة الجامعات الإسرائيلية، أو المركز الأكاديمي الإسرائيلي الموجود بالقاهرة والذي يعرض تقديم خدمات علمية.
وكأكاديمي مصري عربي مختص في الدراسات العبرية ومهتم بإحلال سلام مستقر، أتوقع من السفراء والخبراء والإسرائيليين أن يترجموا إدراكهم لأسباب عزوف الشعب المصري عن التعامل مع إسرائيل بتوعية الجماهير والسياسيين الإسرائيليين بأن مفتاح السلام الدافئ مع مصر، وكل الدول العربية، يتمثل في الاستجابة لمبادرة السلام العربية، وتسوية القضية الفلسطينية تسوية عادلة، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.