باستقالة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، أو بالأحرى الإطاحة به من قبل مَنْ يوصفون بالمتشددين - وكأنه يوجد في دوائر السلطة الحاكمة من هم غير ذلك - وعلى رأسهم الحرس الثوري يكون الرئيس حسن روحاني قد خسر أحد مساعديه الذين كان يعتمد عليهم كثيراً في صراعات إيران مع العالم.
ومنذ وصوله إلى رئاسة الجمهورية يثير روحاني الكثير من الاهتمام، فعلى السطح هو يبدو مختلفاً عن سابقه أحمدي نجاد، فهو يتحدث عن الحوار مع الآخر، وتمكن في عهد رئيس الولايات المتحدة السابق باراك أوباما من عقد صفقة حول نشاطات إيران النووية، ومن تهدئة الشارع الإيراني بعض الشيء في بداية ولايته. لكن في الوقت نفسه، وتحت رئاسته، قامت إيران بتطوير منظومتها من الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية إلى مسافات بعيدة، وكثفت من تسلحها التقليدي وغير التقليدي، وزادت من نبرتها العدائية تجاه جيرانها العرب، وأثبتت موقعها القيادي كدولة راعية للإرهاب عن طريق دعم «حزب الله» اللبناني وغيره من تنظيمات إرهابية، وزادت من تدخلاتها في سوريا والعراق واليمن، وهي تتدخل في الشؤون الداخلية لجميع الدول العربية بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة البحرين.
وما نستطيع قوله إن إيران تمر بمرحلة حرجة جداً، وهي في تناقضات شديدة تفرز دلالات مهمة للمجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، وذلك على الصعيد الداخلي لإيران ذاتها من الناحيتين السياسية والاقتصادية، وعلى الصعيد العسكري الذي هو مكمن الخطورة في سلوكيات إيران الخارجية على ضوء المقاطعة المتشددة التي يفرضها عليها المجتمع الدولي، وعلى ضوء إلغاء الاتفاق النووي الذي كان يعتبره روحاني وجواد ظريف نجاحاً باهراً لبلادهم ولأنفسهم كساسة، وعلى ضوء الحالة الاقتصادية المتردية التي تعود أسبابها إلى عوامل داخلية، لكن المقاطعة فاقمت منها إلى درجة وصلت إلى مفاصل ونخاع عظام النظام.
وحقيقة أنه على صعيد السياسة الخارجية حققت إيران في عهد روحاني بعض المكتسبات التي منبعها أن المجتمع الدولي ذاته يبحث عن الأمن والاستقرار في منطقة الخليج والعالم العربي وجواره الجغرافي، ويبحث كذلك عن تحسين العلاقات بين إيران وكل من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ودول الخليج العربي ممثلة في السعودية والإمارات والبحرين.
وفي الوقت الحاضر الذي وصلت فيه عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل إلى طرق شبه مسدودة، وتتغلغل فيه إيران في كل من العراق وسوريا واليمن، وتكاد فيه حرب طاحنة ومدمرة تنشب بين باكستان والهند، والتوجس من خطر الإرهاب الذي يطل قائماً ومؤرقاً للجميع باستثناء إيران، فإن الأخيرة تبدو للعديد من دول العالم وكأنها القطر الوحيد الذي يكن العداء للجميع دون تمييز أو استثناء ودونما سبب واضح.
وعليه فإن الأوضاع الإيرانية تسير نحو الأسوأ في الداخل، فالمظاهرات بدأت تظهر في شوارع المدن والاقتصاد والعملة الوطنية على شفى الانهيار، وسعر النفط الخام في السوق العالمي منخفض جميع ذلك يأتي دفعة واحدة.
وفي مقابل عدم قدرة الحكومة الإيرانية على الإصلاح، فإن الجبهة السياسية وبغض النظر عن ما يشاع تمكن مناوئي الحكومة من المتشددين من العودة إلى الواجهة بسبب إلغاء الاتفاق النووي وتردي الاقتصاد وفرض المزيد من المقاطعة الخارجية، ووضعوا أقدامهم بقوة للمنافسة مع رئيس الجمهورية للسيطرة على مفاصل السلطة في ما يبدو بأنه عودة إلى المربع الأول من التشدد تجاه الشعب والمجتمع الدولي.
*كاتب إماراتي