الإنجليزي، براتراند راسل (1872-1970)، من أهم الحكماء والفلاسفة والرياضيين والمناطقة في تاريخ البشرية. أسس مدرسة عقلانية مميزة. له رؤيته وحكمته التي صقلتها السنين. عاصر قرناً من الزمان بحروبه المجنونة، وقدم مبادراتٍ مبكرة، ضد انتشار القنبلة الذرية، وله مراسلات مهمة مع الملك فيصل بن عبدالعزيز، الذي دعمه مادياً لمبادرته ضد جنون القنبلة الذرية.
«وودرو ويات»، أجرى مع راسل عام 1959، حواراً عفوياً، دون ترتيبات مسبقة، على مدى أربعة أيام ونصف، فكان سهلاً يسيراً حتى لغير المتخصص بالفلسفة. يتناول الحوار تجربة السنين والحياة، وخبرة علوم ومعارف عظيمة. رحل راسل، تاركاً نصيحته للإنسانية، سعداء معاً أو أشقياء معاً، فقد آمن حتى رحيله، بضرورة زرع الأخوة البشرية.
انتقيت من الحوار، أقوالاً أعجبتني لراسل، ميزتها بخط عريض، ثم علقت بسخرية، اعتذر منكم ومن راسل عليها:
«أية حماقةٍ هذه الفكرة القائلة بأنه من غير الممكن تغيير طبيعة الإنسان».
-عندنا يقولون حرك جبل ولا تحرك (تغير) طبيعة، يامسيو راسل، أتراه مثلا فيه من الحمق بحجم جبل؟!
«إن الشأن الحقيقي للفيلسوف ليس تغيير العالم، بل فهمه، وهذا هو عكس ماقاله ماركس».
-في ثقافتنا يرد المرء على غيره، قبل أن يقرأ له، فما بالك بأن يحاول فهمه.
«نحن خاضعون لمشاعر الحب والحقد، ونحب ممارسة كلا الشعورين، نحب أبناء وطننا، ونكره الأجانب، بطبيعة الحال، نحن لا نحب أبناء وطننا إلا عندما نفكر في الأجانب، ويكفي أن ننسى الأجانب كي يضعف هذا الحب».
-بعض الناس يا راسل باشا، لا يحب إلا نفسه، ويكره البقية. هل يعتبر نفسه الوطن وغيره الأجانب؟!
«كي يمكنك معرفة بلدانٍ أجنبية، عليك أن تسافر كفقير».
-أرجو ألا يقرأ مقولتك هذه شركات الطيران، التي تعيش على العفش الزائد، وعشرات الشنط، لعائلة لا تتجاوز ثلاثة أفراد!
«إن السلطة تفسد الطباع».
-لذلك يكثر في العالم العربي، من يحدثك عن زهده في المنصب ليلاً، ويتشبث به ليلاً ونهاراً!
«الفلسفة، تجعلنا من ناحية، متشددين في التفكير، بما يمكن أن نعرفه، ومن ناحيةٍ أخرى، تدعونا دوماً، إلى الإقرار بتواضع، بأن الكثير مما يبدو لنا معرفةً، ليس بمعرفةٍ في الحقيقة».
-الفلسفة عندنا يا عم راسل، أن نبدي فهمنا في كل شيء، مع أننا لا نعرف أي شيء.
«الحسد آه طبعاً! إنه يتسبب في شقاء الكثير من الناس، أفكر مثلاً بالرسام هايدون الذي لم يكن رساماً جيداً، لكن كان بودّه لو أنه يكون كذلك، في مذكراته يمكننا أن نقرأ الجملة الآتية «قضيت صبيحة شقية في مقارنة نفسي برافائيل».
-نحن نظن أننا لا نتحاسد، مع أننا في شقاء طويل، أترنا نسمي الحسد نقداً!
«إن التوتر بين الشرق والغرب، هذا الذي نعيشه مثل خطر محاق يرعبنا، إنه من نتائج الإنسان المتعصب».
-تعصب، مرّت علينا هذه الكلمة، سلوكاً يا سيد راسل، ليس كثيراً... عشرات المرات يومياً... فقط.
«رسالتي لإنسان الغد: أود أن أقول لكم إنكم تتمتعون بأفضل معارككم، بقدراتٍ لم يمتلكها الإنسان من قبل أبداً، يمكنكم استعمالها من أجل الخير كما يمكنكم استعمالها من أجل الشر، ستستعملونها من أجل الخير إذا ما أدركتم الرابط العائلي الذي يوحد بين كل البشر، وإذا مافهمتم أنه يمكن أن نكون سعداء جميعاً معاً أو جميعنا تعساء معاً».
-سعداء معاً! تعساء معاً! ما هذا ياراسل بيه؟! ألم تعلم أن كثيرون منا يقولون علمياً: أنا ومن بعدي الطوفان؟!
«الإنسانية تشكل عائلة موحدة ذات مصالح مشتركة، والتعاون أهم بكثير من المزاحمة».
-المزاحمة أصبحت صفة أصلية، عند معظم شعوبنا يا عم راسل. يبدو أنهم تناسوا الإنسانية إجمالاً.
«كل كائن بشري، وكل حيوانٍ أيضاً، في حاجةٍ إلى الشعور بالأمان، وبأنه يعيش في محيط خالٍ، من إمكانيات التعرض إلى مهالك، غير متوقعة».
-    قلنا لهم يا عم راسل: الأمن أولاً. قالوا لنا: أنتم رجال أمن! قلنا لهم: هل يعني هذا أنكم رجال فوضى؟! انصرفوا غاضبين!
«إن الذين حققوا تقدماً هاماً في أي اتجاه كانوا يستثيرون بصفةٍ قارة معارضة تامة من قبل الجمهور».
-    (وإنْ تطع أكثر من في الأرض يضلوك).