لم يأت توقيع «وثيقة الأخوة الإنسانية»، في فبراير الماضي، بين قداسة البابا فرانسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، لتكون حبيسة الأدراج أو تقتصر على جغرافيا وأعراق وأديان محددة، وإنما جاءت هذه الوثيقة، التي رعتها واحتضنتها قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة الرشيدة، لتصبح خريطة طريق عالمية لقيم السلم والتعايش والتسامح، التي انطلقت من أبوظبي إلى دول العالم وشعوبها كافة، لتؤكد دولة الإمارات من خلال رعايتها لهذا اللقاء التاريخي الذي جمع رمزين دينيين بارزين، بدعوة من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، إضافة إلى تنظيم مؤتمر الأخوة الإنسانية الذي جمع مئات الخبراء والمتخصصين من الديانات المختلفة في العالم، وإقامة قداس جمع آلاف المسيحيين في مدينة زايد الرياضية، لأول مرة يحصل في تاريخ دول الجزيرة العربية، أنها الراعية والداعمة لكل المعاني الإنسانية، التي جمعت في بوتقتها شعوباً وأجناساً وأعراقاً عديدة، لا تفرق بين أي منهم، حيث نهج المحبة والأخوة والتسامح، هو الأصل وليس الهامش لديها.
وخلال مؤتمر صحفي بمشيخة الأزهر الشريف، عقب مباحثاته، يوم الثلاثاء الموافق 2 أبريل، مع الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أشاد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بدور دولة الإمارات في جمع رمزين دينيين على أرضها في فبراير الماضي، والذي كان مظهراً من مظاهر الأخوة بين الأديان، ودليلاً ناصعاً على ما صنعته دولة الإمارات وما زالت، في ترسيخ التسامح والتعايش على المستوى العالمي، وإرساء مبادئ السلم العالمي والتعايش الإنساني، المبني على قيم قبول الآخر واحترامه. كما أن تأكيد غوتيريش على بذل أقصى الجهود لضمان وصول «وثيقة الأخوة الإنسانية» إلى كل مكان، باعتبارها شهادة على الاحترام والتسامح والسلام قدمها زعيمان عالميان للعالم، لهو شهادة على أن الإمارات تؤمن بكل معاني الأخوة والإنسانية، التي أسس لها المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، حين أصر على توحيد الإمارات وتحقيق الوحدة الوطنية والاستقرار، بالتفاهم والتوافق.
ولأن «وثيقة الأخوة الإنسانية» تطالب الزعماء، سواء كانوا دينيين أو سياسيين، بوضع حد للحروب والصراعات، وتدعو كافة أصحاب الديانات إلى الاحترام المتبادل والعمل معاً من أجل الإنسانية، فقد جاء العمل على إعداد الوثيقة لمواجهة الإرهاب وإرساء مبادئ المساواة والعدل بين الناس، من خلال تعزيز الحوار بين المؤسسات الدينية الكبرى كالفاتيكان وكنيسة كانتربري ومجلس الكنائس العالمي، والتعاون مع مجلس حكماء المسلمين للوصول إلى الوثيقة التي استغرق إعدادها عاماً كاملاً، كما قال الدكتور أحمد الطيب، وذلك حين سلّم، بصفته رئيساً لمجلس حكماء المسلمين، رسالة رسمية إلى الأمين العام للأمم المتحدة لاعتماد مجلس حكماء المسلمين عضواً مراقباً في الأمم المتحدة، وتقديم نسخة له من «وثيقة الأخوة الإنسانية» التي شهدت إمارة أبوظبي توقيعها التاريخي، بين الأزهر والفاتيكان، التي جاءت في وقت تتصاعد فيه حدة الصراعات والعنف والإرهاب في الشرق والغرب.
لقد أصبحت دولة الإمارات، بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، منارة عالمية في التآخي والمحبة والمساواة والعدالة، وأصبحت نموذجاً يحتذى به في التسامح والتعايش، لاسيما أن سموه اعتمد عام 2019 ليكون عاماً للتسامح، ليمتد فيه العمل على نشر هذه الثقافة التي تؤصل للاستقرار والأمن، وتكافح من خلال العديد من المبادرات التي لا تُحصى كلَّ من يتصل بثقافة التطرف والإرهاب، فحملت شعلتها نحو السلام العالمي، بحكمة كبيرة وبجهود جبارة، من خلال إبراز الوجه الحقيقي للإسلام القائم على السلم ومواجهة الإرهاب الذي يتذرع بالدين، ولتؤكد أن الإسلام دين عطف ورحمة وإحسان وتسامح، وأنه دين ينبذ الخلافات ويركز على الوحدة والتآخي بين الناس في كل مكان، وأن الإنسانية المشتركة هي التي تأخذ بيد الجميع نحو مستقبل أفضل.
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.