أصبح من المؤلم رؤية جولات «التصويت الإرشادي» التي لا تنتهي حول بريكست في البرلمان البريطاني. ذلك أن المشرِّعين لا يريدون حقاً اختيار خيار، بينما يراهن بعضهم على الوقت لضمان خروجٍ من دون اتفاق. والحال أنهم إذا كانوا يريدون تقرير شيء ما حقاً، فإن ثمة شيئاً يستطيعون استخدامه من أجل كسر الجمود: إنه «التصويت النوعي».
رئيس المفوضية الأوروبية كلود يانكر، قال في خطاب يوم الاثنين مشتكيا: «مقارنة مع الحكومة البريطانية، يمكن القول إن أبو الهول أكثر وضوحاً وشفافية، علينا أن ندفع أبو الهول للتكلم».
ولكن «ويستمنستر» التي يُقال إنها تشبه «أبو الهول» في صمته لم تكن صامتة. فقد ناقشت عدة خيارات: قائمة طويلة، صُوت عليها الأسبوع الماضي، وقائمة قصيرة، اختُبرت يوم الاثنين. أما سبب عدم ظهور أي فائز، فهو أن المشرعين يحاولون الالتفاف على ظاهرة تعرف بـ«مفارقة كوندورسيه»، التي وصفها أول مرة عالمُ الرياضيات نيكولا دي كوندورسيه في القرن الثامن عشر.
فنظراً لأن القرارات الجماعية الديمقراطية تعتمد على الترتيب الذي تُبحث به البدائل، فإنها قد تترك الأغلبية غير راضية. ذلك أن إجراءات البرلمان الحالية، التي تُعرض فيها الخيارات على التصويت بشكل منفصل، تتجاهل الخيارين الثاني والثالث للمشرِّعين وتُنتج بعض النتائج الغريبة. وهكذا، ظهرت أنماط التصويت التكتيكي.
حل كوندورسيه المثالي كان هو إيجاد خيار يفوز في الجولة الثانية ضد أي خيار آخر. غير أن إجراء هذه السلسلة من عمليات التصويت سيكون، في حالة بريكست، جد معقد ويمكن أن يثير عداء الناخبين.
والواقع أنني لن أكون أول من يقترح حلا بنّاء يقوم على عملية تصويت مختلفة. فقد دعا آخرون إلى ما يعرف في الولايات المتحدة بـ«تصويت الاختيارات المرتبة» أو جولة تصويت فورية أو بديلة أو تفضيلية. وهم على حق في ذلك. غير أنني أميل إلى شكل خاص من الاختيارات المرتبة أعتقد أنه يناسب وضع بريكست.
والواقع أن أساليب التصويت التفضيلي كثيرا ما تُستخدم لاختيار مرشحين بدلا من أفكار أو سيناريوهات. وعلى سبيل المثال، فإن انتخابات عمودية لندن تستخدم هذا النظام، حيث يقوم الناخبون باختيار خيار أول، ثم خيار ثان. وإذا لم يفز أي مرشح بأغلبية واضحة بين الخيارات الأولى، فإن المرشحيْن الأوليْن اللذين يتصدران النتائج يتقابلان في جولة ثانية يعاد فيها توزيع الأصوات التي ذهبت للمرشحين غير الناجحين في الاختيارات الثانية. غير أن الناخبين البريطانيين رفضوا استخدام هذا النظام في الانتخابات البرلمانية في استفتاء في 2011.
نظام تصويت تفضيلي آخر استُخدم في المملكة المتحدة هو ما يسمى «الاقتراع الشامل»، وهو النظام الذي يستخدمه حزب المحافظين لاختيار زعيمه. فوفق هذه القواعد، يتم تنظيم عمليات تصويت متكررة، والمرشح الذي يحصل على أقل عدد من الأصوات يتم إقصاؤه في كل جولة.
غير أن الخيار الذي قد يكون جيدا لانتخاب الأشخاص ليس مفيداً كطريقة لحل خلافات معقدة مثل «بريكست». ذلك أن الفكرة هنا ليست مجرد تحديد فائز، وإنما التقاط القوة التي يتم بها دعم كل مشرّع أو رفض كل خيار.
وبالتالي، فإن الطريقة الأنسب لمثل هذا الوضع هي «التصويت التراكمي» أو «التصويت النوعي»، مثلما يسمى في بعض الأدبيات الأكاديمية. هنا، يكون لدى أعضاء البرلمان عدد محدود من النقاط ليوزِّعوها بين الخيارات التي يفضّلونها. والخيار الذي يحصل على أكبر عدد من النقاط هو الفائز.
ونظرا لأن عمليات التصويت ستكون إرشادية فقط، فليس مهما أن يكسر هذا النظامُ مبدأ «شخصٍ واحدٍ صوتٌ واحد». بل الأهم من ذلك هو كسر مفارقة كوندورسيه وحمل أعضاء البرلمان على التعبير عن تفضيل واضح وبنّاء.
ومن خلال توزيع عدد من النقاط، سيعكس النظامُ اختلافات دقيقة في الآراء، ويجعل التصويتَ التكتيكي أكثر صعوبة، ويسمح لأعضاء البرلمان بالتعبير عن رأي. وهكذا، يستطيع «المحافظون» التعبير عن معارضة نسبية لأشكال مختلفة من بريكست ناعمة، بينما يستطيع أعضاء البرلمان «العماليين» التعبير عن مصالح ناخبيهم الذين صوتوا لصالح الانسحاب.
وحينها، يمكن اختبار النتيجة المفضلة مقابل كل النتائج الأخرى – وتقرير طريقة للتقدم إلى الأمام. وعلى بعد بضعة أيام فقط من خطر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وبالنظر إلى عجز الحكومة عن تمرير اتفاقها، فإن المرونة والخيال يصبحان أساسيين. والأرجح أن الاتحاد الأوروبي سيمنح تمديدا آخر لمفاوضات «الطلاق البريطاني» عندما يقوم «أبو الهول» بتقديم اختيارات بدلاً من مجرد رفضها جميعا.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»