امتد الانقسام الفلسطيني من خارج إسرائيل إلى داخلها في الانتخابات التشريعية الإسرائيلية الأخيرة، فالانقسام الفلسطيني في الضفة والقطاع قائم منذ الانتخابات الفلسطينية عام 2006 ثم الصدام الدموي بين «فتح» و«حماس» في غزة عام 2007 والذي ترتب عليه انفراد «حماس» بالسلطة في غزة وانفراد «فتح» بالسلطة في الضفة، وأخفقت تباعاً كافة محاولات الصلح بين الطرفين سواء أتت من قوى فلسطينية أخرى أو من قوى عربية، رغم المستجدات العربية والدولية التي باتت تمثل تهديداً حقيقياً لمستقبل القضية الفلسطينية.
وقد اتسمت الحركة السياسية في أوساط الفلسطينيين داخل إسرائيل، والذين يُعرفون اصطلاحاً بـ«عرب 48» بالتعددية، وإن لم يصل الأمر إلى حد الصدام الحاد. غير أن الأحزاب العربية في إسرائيل أظهرت مستوىً عالياً من الشعور بالمسؤولية حين نجح النائب اليميني المتطرف أفيجدور ليبرمان في تمرير تشريع في الكنيست يرفع نسبة الحسم المطلوبة لتمثيل حزبٍ ما في الكنيست من 2?‏ إلى 3.25?‏، فعقب ذلك كوَّنت الأحزاب العربية الأربعة في إسرائيل (الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة، التجمع الوطني الديموقراطي، القائمة العربية الموحدة، الحركة العربية للتغيير) قائمة موحدةً قبل الانتخابات التشريعية لعام 2015، استطاعت الحصول على 13 مقعداً في الكنيست، لتمثل بذلك ثالث قوة سياسية داخل الكنيست بعد الليكود (30 مقعداً) والمعسكر الصهيوني (24 مقعداً).
غير أن هذا الإنجاز، وللأسف الشديد، تبخر في الانتخابات الأخيرة، والتي خاضها عرب 48 بقائمتين بعد فشل مفاوضات إعادة توحيد القائمة المشتركة رغم المطالب الشعبية والضغوط الجماهيرية المتزايدة للوصول إلى اتفاق بأي شكل من الأشكال للعودة إلى القائمة المشتركة. ويبدو أن خلافات سياسية تكتيكية على بنية القائمة تقف وراء هذا الفشل طالما أن الهدف الاستراتيجي للفلسطينيين داخل إسرائيل واحد وهو على أقل الفروض تحسين ظروف معيشتهم. وهكذا تكرر النخبة السياسية لعرب 48 أخطاء مثيلتها في الضفة والقطاع، أي العجز عن رؤية الخطر الداهم المحيط بالقضية الفلسطينية ومن ثم التقاعس عن اتخاذ ما يلزم من خطوات لتوحيد الفلسطينيين في جبهة واحدة. وليت الأمر قد وقف عند هذا الحد، فقد رصدت استطلاعات الرأي العام قبل الانتخابات الأخيرة انخفاضاً متوقعاً في نسبة الإقبال على التصويت بين عرب 48 (أقل من 50?‏). والمشكلة أن هذا الانخفاض في ظل تفكك القائمة المشتركة إلى اثنتين، يهدد باحتمال ألا تدخل إحداهما الكنيست أصلاً بسبب عدم تجاوز نسبة الحسم. والمؤسف أن عرب 48 لو صوّتوا بالنسبة نفسها التي يصوت بها اليهود لارتفع عدد المقاعد التي يمكنهم نيلها إلى قرابة 20 مقعداً، ما يمنحهم وزناً نسبياً كبيراً في عملية تشكيل الائتلافات الحزبية التي لم تنج أي حكومة إسرائيلية منها منذ نشأة الدولة العبرية. ويفسر المحللون انخفاض الإقبال على التصويت بحالة الإحباط واليأس ودعوات المقاطعة التي تعتبر التصويت في الانتخابات اعترافاً بشرعية إسرائيل! وكأن حمل الجنسية الإسرائيلية لا يعني ذلك! وقد تنبهت قيادات فلسطينية عديدة بين عرب 48 إلى خطورة هذا الوضع وبذلت جهوداً جادة لتجاوزه، ومن هؤلاء أيمن عودة الذي جاء على رأس القائمة المشتركة في انتخابات 2015، حيث صرح بأن «من لا يصوت يصوت لمن لا يريد»، أي أن امتناعك عن التصويت سوف يصب في مصلحة خصومك، وأضاف أن «قانون القومية» يريد دولة لليهود «وسنلقي بكل ثقلنا لنفرض عليهم عكس ما يريدون؛ واقعاً ثنائي القومية»، وأن «هناك من يريدنا أن نكون مواطنين درجة (ب) أو حتى غير مواطنين، وعندما نصوّت أقل من المواطنين اليهود نجعل أنفسنا بأيدينا مواطنين درجة (ب)».
وقد بدت استطلاعات الرأي الأخيرة بين عرب 48 أكثر تفاؤلاً ربما نتيجة للجهود التي بذلتها قياداتهم الواعية، وأكتب هذا المقال يوم إجراء الانتخابات وقبل أن تتأكد مؤشرات نتائجها الأولية، وقد ذكرت بعض التقارير أن جهوداً حقيقية بُذلت لحث الناخبين العرب على الإدلاء بأصواتهم، لدرجة استخدام مكبرات الصوت في المدن والقرى العربية. وأتمنى ألا يتراجع نصيب النواب العرب في الكنيست. وإن حدث هذا لا قدر الله فسيمثل درساً مفيداً في أهمية الحفاظ على الوحدة الوطنية كشرط ضروري لنجاح السعي من أجل انتزاع الحقوق.


*أستاذ العلوم السياسية -جامعة القاهرة