ليست العلاقة سراً بين روسيا وحزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتشدد. فالعام الماضي، عندما طردت الحكومة الألمانية مجموعة من الجواسيس الروس، احتج زعيم حزب «البديل» ألكسندر غولاند قائلاً إن ألمانيا تسمح لنفسها بأن «يزج بها في حرب باردة جديدة من قبل المحرضين». وخلال الحملة الانتخابية الأخيرة في ألمانيا، خاضت وسائل الإعلام الروسية حملة لصالح حزب «البديل». كما كررت حساباتٌ في وسائل التواصل الاجتماعي مقرها روسيا رسائل مناوئة للهجرة وللاتحاد الأوروبي.
غير أن ثمة شيئاً ما مختلفاً بشأن التحقيق الذي أنتجته مؤخراً هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، وقناة تلفزيونية ألمانية، وصحيفة إيطالية، ومجلة «دير شبيغل» الألمانية، في العلاقات الروسية لعضو في حزب «البديل». فعلى غرار آخرين في حزبه، يعارض ماركوس فورنماير، وهو عضو في البرلمان الألماني «البوندستاغ»، العقوبات الأوروبية ضد روسيا، ويقوم بزيارات متكررة للقرم. لكن وثيقة استراتيجية حصل عليها صحافيون، أُعدت قبل الانتخابات الألمانية في 2017 وبُعثت من مسؤول سابق في جهاز مكافحة التجسس الروسي إلى عضو في إدارة الكريملن، تحكي قصة إضافية. فالوثيقة تقيّم فرص فرونماير، وتوصي بـ«الدعم»، وتلفت إلى أنه إذا فاز فإنه «سيصبح لدينا عضو برلمان تابع لنا في البوندستاغ». هذا في حين تطلب وثيقة أخرى بشكل صريح، مكتوبة على ما يبدو باسم حملة فرونماير، «دعماً مادياً» و«دعماً إعلامياً» من الكريملين. ويذكر هنا أن فرونماير يزعم أن الوثيقة مزيفة.
بعض أعمال فرونماير اللاحقة واتصالاته باتت مفهومة أكثر اليوم، ومن ذلك قصة مانويل أوخزنريتر، وهو معلّق يميني متشدد كان يعمل في مكتب فرونماير، وقد ورد اسمه مؤخراً على علاقة بهجوم بقنبلة على مركز ثقافي مجري في غرب أوكرانيا. الهجوم كان يهدف على ما يفترض إلى تأجيج العلاقات المجرية الأوكرانية، في الوقت الذي كان يتجادل فيه البلدان حول الحقوق اللغوية لأقلية مجرية صغيرة في غرب أوكرانيا. القصة استغلها فيكتور أوربان، الزعيم المجري الذي لديه علاقات قوية بروسيا، ذريعةً لخلق صعوبات أمام أوكرانيا في «الناتو» والاتحاد الأوروبي. ومع أن الكثير حول الهجوم ما زال غامضاً، فإن الأمر يشبه مناورة روسية كلاسيكية في السياسة الخارجية، تعود إلى زمن الاتحاد السوفييتي.
تطورات قصة فرونماير تتلاحق تزامناً مع تحول جيوسياسي حقيقي؛ فمنذ 1989 وعملية إعادة توحيد ألمانيا التي أعقبتها، يبدو أن الألمان من كل الألوان السياسية تحركهم قناعة مؤداها ألا وجود لأي تهديد وجودي لألمانيا، وأن الأسلحة والجيوش غير ضرورية لألمانيا، بل مضيعة للمال، وأن الازدهار الاقتصادي أهم هدف للسياسة، إن لم يكن الهدف الوحيد. غير أن رئيساً أميركياً يعبّر عن كرهه للناتو تحديداً بينما تزداد الجهود الروسية للتأثير على ألمانيا جرأةً وشراسةً. والحاصل أن قصة فرونماير تمثّل تحذيراً مفاده أنه على الألمان أن يفكروا بشأن الاستراتيجية والدفاع بشكل مختلف في العصر الجديد. فهل يسمع الألمان ذلك ويعونه؟
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»