ما زالت الإدارة الأميركية الحالية تسبح عكس التيار وتحديداً عكس أربع جهات وهي الإدارات الأميركية السابقة والقرارات الدولية وقرارات الجامعة العربية ورغبة الشعوب العربية وذلك في ما يتعلق بالأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل في فلسطين وسوريا. فقد قام الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» قبل أيام بتوقيع قرار الاعتراف الرسمي الأميركي بسيادة الاحتلال الإسرائيلي على مرتفعات الجولان التابعة للسيادة السورية وهو القرار الثاني خلال أقل عن عامين الذي يتخذه الرئيس الأميركي في ما يتعلق بالحقوق العربية في الأراضي المحتلة. فقبل نهاية عام 2017 وقع الرئيس الأميركي قرار نقل السفارة الأميركية لمدينة القدس «عاصمة إسرائيل» حسب القرار الأميركي متجاهلاً بذلك حقائق التاريخ والقرارات الدولية والسياسة التي اتبعها من سبقوه من الرؤساء الأميركيين الذين تجنبوا اتخاذ ذلك القرار تاركين المجال للمفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
أما في ما يتعلق بالقرارات الدولية والصادرة عن منظمة الأمم المتحدة فقد صدر منذ عام 1947 وحتى الآن ما يزيد عن 131 قراراً أممياً من مجلس الأمن والجمعية العامة لا يذكر التاريخ استجابة إسرائيل لقرار واحد منها. ونذكر على سبيل المثال وليس الحصر القرار الأول المعروف بقرار تقسيم فلسطين الذي صدر عن الجمعية العامة تحت رقم 181 لعام 1947 والذي نادى بتقسيم فلسطين إلى 3 كيانات جديدة بعد إنهاء الانتداب البريطاني عليها وهي دولة عربية تمثل 42.3% ودولة يهودية تمثل 57.7% على التوالي من فلسطين إضافة إلى وضع منطقة القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة تحت وصاية دولية. ثم تلا ذلك عشرات القرارات الأممية المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين والمفاوضات حول القدس ومفاوضات السلام العربية- الإسرائيلية وإدانة الهجمات العسكرية التي شنتها إسرائيل على كل من الأردن وسوريا ولبنان وتونس.
كما نذكر قرار الجمعية العامة الشهير رقم 3379 الصادر عام 1975 والذي يحدد «أن الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري» وذلك نتيجة للسياسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني من اعتقال وتهجير وهدم للمنازل وغيرها من الإجراءات التي اعتبرتها الأمم المتحدة من أشكال العنصرية والتمييز العنصري. وبالرغم من إلغاء هذا القرار بقرار آخر عام 1991 إلا أن المراقب للأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة يلحظ بكل وضوح استمرار تطبيق إسرائيل لتلك السياسات ضد الشعب الفلسطيني. أضف إلى ذلك أشهر القرارات الأممية والذي استندت عليه العديد من السياسات ومفاوضات السلام اللاحقة وهو قرار مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967 الذي دعا إسرائيل للانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها نتيجة لحرب 1967.
أما قرارات الجامعة العربية بشأن فلسطين وسوريا فهي تعود إلى عام 1946 عندما دعت مصر لاجتماع للجامعة أصدر قراراً يدعو إلى «وقف الهجرة اليهودية» وتحقيق استقلال فلسطين وتشكيل حكومة تضمن حقوق جميع سكانها الشرعيين بدون تفريق بين عنصر ومذهب. ثم نذكر قمة بيروت الشهيرة عام 2002 التي أقرت مبادرة السلام التي اقترحها ولي العهد السعودي حينذاك الأمير عبدالله بن العزيز آل سعود رحمه الله، والتي تعرض على إسرائيل انسحاباً كاملاً من الأراضي التي احتلتها في 1967 مقابل سلام شامل وتطبيع في العلاقات مع الدول العربية.
وحالياً نجد إدارة أميركية تتجاهل جميع تلك القرارات الأممية والعربية منذ عام 1946 لتمنح مالا تملك لمن لا يستحق وهي بذلك تسبح أيضاً عكس تيار الشعوب العربية ورجل الشارع العادي الذي يجد اعترافاً أحادياً بوضع فرضته قوة محتلة على الأراضي العربية التابعة لفلسطين وسوريا ليبرز التساؤل الأهم وهو في ظل الاعتراف الأميركي بسيادة إسرائيل على القدس والجولان في تحدٍ واضح للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والشعوب العربية: ماذا ستمنح الإدارات الأميركية القادمة لإسرائيل من الأراضي العربية أيضاً؟