الأدلة مشهورة بتحيزها لليبراليين، ولعل هذا هو السبب الذي يفسر تفضيل المحافظين لـ«خبراء» لا يواظبون على ارتكاب الأخطاء فحسب، ولكن يرفضون أيضاً الاعتراف بأخطائهم أو التعلم منها.
ومؤخراً كانت ثمة تعليقات كثيرة حول ستيفان مور، الرجل الذي يريد دونالد ترامب تنصيبه في مجلس حكام «الاحتياطي الفدرالي». وقد تبين أنه لدى الرجل خلفية شخصية خاصة جداً: فقد صدر في حقه حكم بازدراء المحكمة بسبب امتناعه عن دفع نفقة الأبناء، وكتاباته السابقة تُظهر مستوى استثنائياً من كره النساء. وإلى ذلك فهو يخطئ في سرد الحقائق كثيراً لدرجة أن رئيس تحرير إحدى الصحف تعهد بألا ينشر له أي شيء مرة أخرى، كما أدلى بمعلومات كاذبة خلال دعمه السابق لـ«قاعدة الذهب». ووصف مدن الداخل الأميركي بـ«الأماكن الأسوأ في أميركا».
غير أنه من المهم أيضاً وضع مور في السياق الصحيح. فقد كان عضواً في مجموعة واسعة تدعو لزيادة سعر الفائدة عقب الأزمة المالية العالمية. هذه المجموعة انتقدت بشدة معدلات الفائدة المنخفضة التي تبناها «الاحتياطي» وجهوده الرامية لدعم الاقتصاد عبر شراء السندات، والمعروفة باسم «التيسير الكمي». وفي حينه شدد الخبراء الاقتصاديون في «الاحتياطي» ومؤسسات أخرى على أنه لا خطر تضخمي بالنظر لحالة الركود، وأن التضخم «الجوهري» الذي يستثني أسعار المواد الغذائية والطاقة المتقلبة، هو مؤشر أفضل بكثير على الضغط التضخمي من أسعار السلع. وكما كان متوقعا، فإن ارتفاع أسعار السلع كان فقاعة مؤقتة، والتضخم المنفلت لم يحدث أبدا.
كان «الاحتياطي الفيدرالي» على حق، وكان منتقدوه على خطأ.
غير أن شيئين مضحكين وقعا عندما ظهر الحكم المبني على أدلة:
أولا، أنه باستثناء إقرار فضفاض بالذنب من لاري كودلو، فإنه لا أحد من منتقدي «الاحتياطي» كان مستعدا للاعتراف بأنه كان مخطئاً. ففي 2014 اتصلت خدمة «بلومبيرج» بموقِّعي رسالة مفتوحة في 2010 إلى رئيس «الاحتياطي» وقتئذ بن بيرنانكي يحذرونه فيها من انفجار للتضخم، لتسألهم عن رأيهم بالنظر لتقلص التضخم وانتعاش الاقتصاد. لكن لا أحد منهم كان مستعداً للاعتراف بأن تحذيرات الرسالة كانت خاطئة.
ثانياً، أن الأشخاص الذين كانت توقعاتهم خاطئة كوفئوا على أخطائهم. فمور، الذي كان أحد اليمينيين الداعمين لزيادات معدل الفائدة في 2007-2008، كان مخطئاً في كل شيء خلال الأزمة المالية. ومع ذلك، ظل وجهاً دائم الحضور في مؤتمرات اليمين، وفي 2014 عينته مؤسسة «ذا هيريتدج فاونديشن» كبير خبرائها الاقتصاديين. وكودلو الذي استخف بتحذيرات الخبراء من فقاعة عقارية وحذر من تضخم وشيك في أوج فترة الركود، هو كبير المستشارين الاقتصاديين لإدارة ترامب.
وعليه، فإن محاولة تنصيب مور في «الاحتياطي» تتماشى مع النهج المتبع. لكن لنكن واضحين: فالمسألة لا تتعلق ببعض التنبؤات الخاطئة، وإنما بارتكاب الخطأ بشكل مستمر في كل شيء ورفض التعلم من الأخطاء.
ومؤخراً، قال مور إن الاحتياطي «مليء بمئات الاقتصاديين عديمي القيمة، الذين لديهم نموذج خاطئ في أذهانهم. هؤلاء ينبغي طردهم جميعاً، واستبدالهم باقتصاديين جيدين». وبالنظر لسجل مور و«الاحتياطي»، فلعل ما يقصده بـ«نموذج خاطئ» هو وجهة نظر حول التضخم أثبتت صحتها بشكل متكرر، خلافاً لتحليله الخاص الذي كان دائماً مجانباً للصواب.
وهكذا فحين يتعلق الأمر باقتصاديين يمينيين، فإن ما نراه هو نسق واضح لنجاة المخطئين وبقائهم.

*كاتب وأكاديمي أميركي حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

https://www.nytimes.com/2019/04/24/opinion/survival-of-the-wrongest.html