تؤثر القضايا التي تدور في شتى مناطق العالم على الفكر السياسي والاجتماعي الذي يتواجد في الدول التي تشكل في مجملها تلك المناطق، ولفترة طويلة هيمن على الدراسات الفكرية في المنطقة العربية وجوارها الجغرافي منظومة من الأحداث العالمية والإقليمية والمحلية التي شكلت في مجموعها مسارات الأفكار التي تسود. ومن ضمن الأحداث التي أثرت على الفكر في المنطقة تأثيراً شديداً يمكن الإشارة إلى الحرب الباردة السابقة، واعتبارات توازن القوى الدولية، ومركزية معضلة أمن إسرائيل في الفكر الغربي ومناظيره تجاه المنطقة العربية، والمنظور الصفري أو المعادلة الصفرية للسياسة الدولية في المنطقة، وحربي يونيو 1967 وأكتوبر 1973 بين العرب وإسرائيل وتداعياتهما، والثورة الخمينية في إيران، والحرب العراقية-الإيرانية، والاحتلال العراقي للكويت، والغزو الأميركي للعراق، والفوضى العارمة التي ألمت بعدد من الدول العربية منذ عام 2011، وتمدد النفوذ الإيراني في عدد من الدول العربية خاصة العراق وسوريا واليمن، وأخيراً عاصفة الحزم وإعادة الأمل في اليمن.
تلك الأحداث عندما ألمت بدول العالم العربي، أحدثت تطورات ومحاذير عميقة في الأمن الخاص بكل دولة وبمجمل المنطقة. لقد حدث ذلك منذ أن خرج الاستعمار البريطاني والفرنسي، مروراً بستينيات وسبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، وبالعقدين الأول والثاني من القرن الحادي والعشرين، وانتهاءً بوقتنا الحاضر. والغريب في الأمر هو أن جميع تلك التطورات تكشفت وحدثت وفعلت فعلها قبل أن يتمكن الفكر العربي المستند على منهج الدراسات المستقبلية القائم على الاستشراف المستقبلي من رصدها وتوقع أي تحولات درامية - جذرية تلم بالأوضاع القديمة للدول المعنية.
ومن جانب آخر لا يقل أهمية، المناهج الفكرية والأطر التنظيرية القائمة، سواء لدى مفكري المنطقة ذاتهم أو الذين هم من خارجها ويهتمون بشؤونها، بما في ذلك أصحاب المنظورين القومي - الوطني، أو منظور النظم العالمية، أو المنظور المعرفي من المدرسة السلوكية لم تشرح تلك التغيرات بكفاءة على قاعدة من افتراضاتها الأساسية، ولم يتمكن أي من أصحابها من استشراف ما حدث على الصعد الداخلية عندما اندلعت الفوضى العارمة في كل من تونس ومصر وسوريا واليمن، أو على صعيد الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي منذ مؤتمر أوسلو لعام 1993 أو ما بعد ذلك وتأثيراته العميقة عبر المنطقة وردود الأفعال القوية التي تولدت عنه. وبالنظر إلى المسائل عبر أطر تنظيرية تقليدية، فإن التعاون على صعيد كل من المحتوى العربي - الإسرائيلي والعربي - الإيراني، يتضح بأنها لم تعط حقها من الاهتمام، لكن التفاعل الداخلي بين الأطراف المقترحة، سواء كانت الدول أو الفاعلين الوطنيين، يبدو الوضع الإقليمي وكأنه مليء بالفرص والمنطلقات التعاونية.
ما أود طرحه أن الصراع المحتدم بين العرب وإسرائيل، وعلاقات العرب بإيران هي حالات من الأحداث الصعبة وربما الاستثنائية التي يعجز الفكر السياسي حتى الآن عن تفسيرها رغم أهميتها وتناولها من قبل مفكرين وباحثين ودارسين من المنطقة وخارجها. وربما يعود السبب في ذلك جزئياً إلى أن اقتصاديات المنطقة خاصة على مستوى إنتاج النفط وحرية الاقتصاد هي أكثر تعقيداً، وتدخل فيها السياسة بعمق شديد لكي تجعل من تناولها فكرياً لتفسيرها علمياً من أعقد الأمور التي قد يواجهها المرء.
*كاتب إماراتي