من الملاحظ أن التوغل الأكبر في القوانين العنصرية التي أقرها البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) في دورته العشرين (الأخيرة)، بدأ فور الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية في أوائل نوفمبر 2016. وكان على رأس مجموعات القوانين الجديدة تلك المتعلقة بالقدس المحتلة، وقانون «القومية» (الأساس العنصري) الذي مكث كمشروع قانون في أروقة الكنيست 7 سنوات ومرت عليه ثلاث ولايات برلمانية قبل إقراره أخيراً. وفي هذا السياق، لم يكن أكبر المتشائمين يتخيل تجرؤ حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) على الكشف عن نواياها صراحة بهذا الشكل، ودون عناء، بشأن ضم الضفة الغربية وحتى هضبة الجولان السوري المحتلة، لولا الموقف الأميركي الذي بات متماهياً مع اليمين الإسرائيلي المتطرف. وبالفعل، فقد سجل الكنيست في دورته الأخيرة ذروةً غير مسبوقة في عدد القوانين العنصرية التي استهدفت إقصاء الفلسطيني ومأسسة العنصرية والفاشية الإسرائيليتين. وبحسب تقرير صادر عن «مركز الأبحاث الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية» (مدار) فإن الكنيست في ولايته المنتهية التي امتدت قرابة 4 سنوات، «أقرّ 35 قانوناً عنصرياً دعماً للاحتلال والاستيطان، وهي ولاية ستشكل قاعدة لقوانين أخطر سيقرها الكنيست في ولايته الجديدة».
وفور بدء الكنيست الجديد أعماله، سارع عضو حزب «الليكود» (يوآف كيش) إلى تقديم مقترحي قانون مؤجلين من الكنيست السابق، الأول هو فرض «السيادة الإسرائيلية» على الضفة الغربية المحتلة، والثاني لجم المحكمة الإسرائيلية العليا. ويهدف المقترح الأول إلى فرض المحاكم والإدارة المدنية على مستوطنات الضفة الغربية، وتحديد مكانة المستوطنين كجزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل، ودون تحديد المناطق التي ستفرض عليها «السيادة الإسرائيلية». أما المقترح الثاني فيهدف إلى «لجم المحكمة العليا»، بحيث يقلص دورها في إلغاء قوانين سنها الكنيست. وبحسب مقترح القانون المشار إليه، فإن «للمحكمة العليا، باجتماع كافة قضاتها فقط، البحث في صلاحية القوانين ومدى ملاءمتها لقانون الأساس، وإن وجد أن القانون يعارض قوانين الأساس، فإلغاؤه مشروط بإجماع جميع قضاة المحكمة العليا، إن هم توصلوا إلى خلاصة مفادها أن هناك تناقضاً واضحاً بين قانون سنتّه الكنيست وبين أحد قوانين الأساس».
وبالمقابل، أعلن حزب «إسرائيل بيتنا» (المتطرف أيضاً) أنه «سيطالب في المفاوضات الائتلافية بإدخال بند إلى الاتفاق الائتلافي يتضمن اقتراح قانون حكومي يقضي بالحد من عمل ونشاط المنظمات اليسارية في إسرائيل، ومنع تدخّل كيانات سياسية أجنبية في الشؤون الداخلية لدولة إسرائيل، وذلك من خلال فرض ضرائب على المنظمات التي تمولها دول أو كيانات أجنبية». وقد سارعت منظمة «نختار الحياة» التي تمثل العائلات الثكلى التابعة لحركة «إذا شئتم» اليمينية الموغلة في التطرف، بالثناء على هذه الخطوة التي في رأيها «ستمنع الدول الأجنبية من تقديم المساعدة والمساهمة في تمويل منظمات إسرائيلية من اليسار المتطرف تدافع عن الفلسطينيين». وجاء في بيان الحركة: «لن تضيع دماء أبنائنا هباءً، وآن الأوان لكي تفهم حكومات أوروبا ذلك».
الكنيست الجديد سيكون أسوأ من سابقه. فالفائزون من اليمين الجديد تدعو برامجهم السياسية صراحة لإلغاء الوجود الفلسطيني والاكتفاء بدولة واحدة: هجرة طوعية للفلسطينيين، وفرض السيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم في مكانه، وضم كامل الضفة الغربية للدولة اليهودية، وكذلك القدس الكبرى التي تضم بيت لحم ومستوطنات غوش عتصيون في الجنوب، وبيت شيمش وموديعين في الغرب، ومدينة رام الله في الشمال، ومعاليه أدوميم وأريحا في الشرق.
إن الخطر الحقيقي يكمن في كون الحكومة الإسرائيلية القادمة متوقع لها الاعتماد على هذه الأحزاب اليمينية الفائزة بالانتخابات، وهي أحزاب ذات أيديولوجيا تطالب بطرد الفلسطينيين، وبالذات بعد أن أثبتت الانتخابات الأخيرة أن السلام لم يعد خياراً. أي أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي سيشكلها قريباً نتنياهو، ستتمادى في عدائها للفلسطينيين أكثر من أي وقت مضى. وفي هذا النطاق، لخص الكاتب الإسرائيلي اليساري «ميخائيل فارشفسكي - ميكادو» تطورات الفترة الأخيرة بقوله: «نهج اليمين الإسرائيلي أنهى نظاماً في الحكم ووضع أسس نظام جديد، يقوم على الإنهاء المبرمج لدور المحكمة العليا، كضامنة للحريات الأساسية، ومحاربة وسائل الإعلام، واعتبار السكان العرب مواطنين من الدرجة الثانية، وإقرار جملة من القوانين العنصرية والتعسفية. كما يقوم هذا النظام الجديد في الحكم على تعزيز الطابع الديني للمجتمع وانتشار ظاهرة الفساد على نطاق واسع، والتحالف مع الحكومات الأكثر رجعية في العالم».
إذن هناك مشهد بات أكثر وضوحاً: الحكومة القادمة ستكون الأكثر يمينية في تاريخ الحكومات الإسرائيلية وبالتالي الأخطر على الأماني الفلسطينية والعربية. وحقاً، نحن أمام مؤشرات واضحة: حكومة تطرف علني استمدت «شرعيتها» من الأصوات التي حصلت عليها في المجتمع الإسرائيلي، في ظل تعاظم السياسات المتطرفة تجاه العرب والفلسطينيين، إذ أن الناخب الإسرائيلي قد أعطى هذه «الشرعية» المزيد من التطرف والعنصرية والفاشية! وعليه، فستسعى هذه الحكومة إلى سن قوانين عنصرية جديدة، وستقدم على خطوات سياسية جديدة أكثر تطرفاً، سواء ضد الفلسطينيين في أراضي 48 أو أراضي 67 أو العرب والمسلمين أينما كانوا. والحال كذلك، لا جدال في أن الحكومة الإسرائيلية القادمة ستحمل صفة «اليمينية المتطرفة» وستعجل باستكمال الإجراءات التهويدية والاستيطانية على كافة الصعد، تحت الغطاء الأميركي الداعم بقوة، ومع تواصل شعور نتنياهو بنشوة الانتصار.