عرضت مجلة «روز اليوسف» المصرية كتاباً مهماً صادراً عن الجيش الأميركي تحت عنوان «دعم المقاومة».. وهو دراسة اشتملت على 47 حالة مختلفة لدول شتى تدخلت فيها الولايات المتحدة بهدف إحداث نوع من التغيير أو الفوضى في أوضاعها الداخلية، بعضها في العالم العربي والإسلامي، وأبرز مثال عليه كل من أفغانستان والعراق. ويكشف الكتاب جوانب من الخطط والعمليات التي قادتها ونفذتها أجهزة الاستخبارات الأميركية ضد دول آسيوية وأوروبية وشرق أوسطية، من أجل التأثير على الاستقرار فيها وبغية إحداث نوع من التغيير الذي يتضمن إسقاط أنظمة الحكم في هذه الدول.
ولعل أهمية الكتاب تكمن أساساً في كونه يتحدث عن الاستراتيجية التي كانت تتبعها الإدارات الأميركية خلال تدخلاتها في الدول الأخرى، كما يوضح أن هذه الاستراتيجية والسياسات المرتبطة بها لم تعرف تقريباً أي تغير كبير حتى اليوم، خاصة فيما يتعلق بدعم حركات المعارضة وتمويل الجماعات المتمردة والتنظيمات المتطرفة بشتى الوسائل.
ثم يشرح الكتاب باستفاضة الكيفية التي تتبعها أجهزة الاستخبارات الأميركية في دعم عدد من حركات «المعارضة» و«المقاومة»، لاسيما تلك التي تقوم بعمليات تخريب هدفها تقييد قوة الجيوش الوطنية التي تعاديها، وتعطيل تحركاتها نحو ساحة قتال أخرى، وصرف الدول المستهدفة عن أماكن اشتباك أكثر أهمية ترغب واشنطن في إخفائها لأغراض مختلفة.
وكما يقول الكتاب فإن النهج المتبع في كثير من الحالات هو أن تقوم أميركا بدعم حركات «المعارضة» أو «المقاومة» بغية تشتيت بعض الدول المحتلة ومن أجل تشويش رؤية المجتمع الوطني وفتح العديد من الجبهات لاستنزاف ثروات البلاد، المادية والبشرية.. ثم بعدئذ تقوم الاستخبارات الأميركية بإنزال الجواسيس السريين للتوغل داخل البلد المراد تقييمه. وهذا تقريباً ما يتفق عليه كثير من المحللين والمؤرخين.
وتعد «وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية» (سي آي اي) الفاعل الأساسي والأكبر في تصميم هذا النوع من الخطط وتنفيذه، كونها تُعِد برامج تدريبية خاصة لدعم حركات المقاومة والمعارضة، وهي برامج تعلّم المتدربين كيفية استخدام الأسلحة والاتصالات وجمع المعلومات الاستخبارية وتكتيكات حرب الشوارع، كما يتلقى خلالها المقاتلون تدريباً على استخدام المظلات.
ويسرد الكتاب عدداً كبيراً من الحالات والوقائع التاريخية التي دعمت فيها الحكومة الأميركية حركات المقاومة والمعارضة كوسيلة لإحداث اضطرابات وإثارة قلاقل، ويشمل ذلك وضع مجموعة واسعة من المخططات، بدءاً من عمليات التفجير والاحتجاز وصولا إلى جهود التحصيل المالي المرتبط بالحرب الاقتصادية وتطبيقات الحرب المعلوماتية والإلكترونية والسيبرانية.
وتراوحت هذه التدخلات السرية بين دعم حركات المقاومة المدنية والدينية والعمليات السرية شبه العسكرية، وجهود الحرب غير التقليدية لدعم الحملات العسكرية.. كما تشتمل على استغلال أوجه الصراع الداخلي على اختلافها، السياسية والعرقية والدينية والأيديولوجية.. لذلك يمثل وجود الانقسامات المجتمعية عنصر نجاح أساسيا في تنفيذ مخططات الفوضى هذه، لاسيما أن هدفها الأساسي إضعاف الدول وتقويض قوتها العسكرية والاقتصادية، وخلال ذلك كثيراً ما يتم التركيز على هدفين خطيرين آخرين: إضعاف الروح المعنوية للشعب، وتقويض شرعية نظام الحكم السياسي القائم.. وذلك لأن جزءاً كبيراً من إنجاز الخط أعلاه يتم بوساطة سكان البلاد وأبنائها لأنهم أدرى بالتفاصيل الدقيقة التي تجهلها أجهزة الاستخبارات الأميركية.
*كاتب إماراتي