يؤلمني أن أقول هذا، ولكن الرئيس دونالد ترامب ليس الشخص الأقل عقلانية وحذراً في الإدارة الحالية. فهذا الشرف هو من نصيب المستشارين اللذين كادا يدفعانه والولايات المتحدة إلى مواجهة عسكرية مع إيران لا مخرج لها ولا هدفاً واضحاً.
والحال أن مهمة مستشار الأمن القومي هي الحرص على أن تكون لدى الرئيس أفضل المعلومات وأفضل الخيارات من أجل اتخاذ القرارات. وقد كان واضحاً من البداية، أن مستشار الأمن القومي جون بولتون ليس ذاك الشخص. فباعتراف الرئيس نفسه، يُعد بولتون واحداً من أشد الدعاة إلى النزاع العسكري، رجل يكره كل الصفقات الدبلوماسية الممكنة.
وفي هذا الإطار، قال ترامب في مقابلة مع برنامج (واجه الصحافة) يوم الأحد الماضي: «لديّ بعض الصقور. أجل، جون بولتون أحد الصقور بكل تأكيد. فلو كان الأمر يعود إليه، لواجه العالم برمته مرة واحدة». وهذا أمر مرعب – خاصة عندما يتعلق الأمر بمستشار أمن قومي تتمثل وظيفته بالأساس في أن يكون وسيطاً نزيهاً. والحال أن بولتون ربما يفتقر لحسن التقدير، وباعتراف الرئيس نفسه – ومثلما رأى الجميع ذلك في السياستين الأميركيتين غير المنسجمتين تجاه فنزويلا وإيران – ما أدى إلى تراجع محرج للرئيس. ويمكن القول إنه كلما طال بقاء بولتون هناك، كلما عظم خطر تحقق أحد اقتراحاته الخطيرة.
وبالمناسبة، إذا كان ترامب لم يحصل حقاً على تقييم لحجم الإصابات المتوقع حتى ذاك الوقت المتأخر من العملية - أو على الأرجح، لم يركز عليه أبدا بما يكفي - فذاك إهمال لا يغتفر من جانب بولتون. ولكن ماذا عن وزير الخارجية مايك بومبيو؟ الواقع أن آراءه في عدد من الملفات أضر بمصداقيته بشكل كبير. وفضلاً عن ذلك، فإنه يبدو أنه يرفع الرهان أيضاً، حيث دفع الرئيسَ إلى أن يكون أكثر تشدداً، ولم ينجح في توفير طريق عقلاني لتحقيق أهدافنا. بل يمكن القول إن الأهداف التي يسعى بومبيو لتحقيقها غير واضحة.
خطاب بومبيو العام الماضي وضع 12 شرطاً لإيران ترقى إلى «انتحار للنظام». وسعيه وراء «الحد الأقصى من الضغط» من دون حلفاء إلى جانبنا – ومن دون التفكير في أن إيران سترد – كان مصيره إحراج الرئيس الذي لم ينفذ تهديداته.
لقد كان «الجمهوريون» يظنون في الماضي أن نهج ترامب سيُكبَح من قبل الرجال والنساء الذين يتمتعون بالحكمة والحصافة داخل الإدارة. ولكن ذلك كان غير واقعي من البداية نظراً لأن الرئيس هو صاحب القرار في النهاية. وعلى كل حال، فإن قضية إيران وما يدور حولها الآن من سجال تبرز غياب مستشارين يتحلون بالحصافة.
ومما لا شك فيه أن مسؤولية جسيمة تقع على عاتق «جمهوريين» مثل السيناتور توم كوتون (عن ولاية أركانسو) الذين افترضوا أن بضع ضربات ستدمر إيران والذين استمروا في الدفع في اتجاه الحرب (يوم الأحد الماضي بدا أن تراجع الرئيس لم يثن كوتون أو ينل من عزيمته). غير أن الرئيس ومستشاريه هم الذين يتحملون مسؤولية سياسة خارجية عقلانية ومنسجمة في نهاية المطاف. وطالما أن ترامب ومجموعة مستشاريه الحاليين موجودون – ونحن نفتقر لوزير دفاع مثبّت في منصبه – فإن ذلك لن يكون ممكناً. وبالتالي، فإن خطر سوء التقدير سيستمر!
*محللة سياسية أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلوميبرج نيوز سيرفس»