كيف سيكون المشهد إذا ما قرر «دونالد ترامب» تحويل النزاع بين واشنطن وطهران إلى صراع عسكري؟ وهل ستكون الحرب بين طهران وواشنطن فقط؟ وهل ستكون على الأراضي الإيرانية؟ أم ستشتعل المنطقة وتخاض المعركة على أرض محايدة بين جيوش تقع ثكناتها في أراضيها، وأما ولاؤها وانتماؤها وقيادتها المركزية لها مقرات خاصة خارج الحدود؟ أم ستخاض الحرب على جبهات عديدة؟ أم أن الأمر برمته بداية من إسقاط الطائرة الأميركية من دون طيار إلى تشديد العقوبات، والسجال حول الملف النووي والتهديد والوعيد هو مجرد زمجرة وعويل بين أميركا وإيران؟
فرسائل الرئيس ترامب مزدوجة وتبدو مشوشة للمتابع، حيث يعلن عن أن أي حرب بين إيران والولايات المتحدة ستكون سريعة قبل أن يرجع ويضيف أنه يود تجنب أية مواجهة عسكرية، بينما التصريحات الإيرانية تصب حول أنه من غير المحتمل شن حرب أميركية ضد إيران لأسباب عديدة أهمها: أن إيران دولة لديها قدرات دفاعية وأذرع في كثير من دول المنطقة، وتحاصر العالم العربي ككل بخلايا نائمة، وتظهر تركيا من جهتها قرونها التي تمتد للداخل الإيراني قبل الداخل العربي، ولها قدرة على تحريك الأقليات القومية، وهو سلاح تحتفظ به كتهديد غير مباشر تعلم طهران مدى خطورته، والتواجد الاستخباراتي التركي في إيران الذي تغلفه العلاقة التاريخية بين الأقليات في البلدين، إلى جانب التحرك الأميركي الخفي، وفشل إيران في المقابل في تفعيل دبلوماسية الخطاب الموجه للشارع والكونجرس الأميركي من جهة، وللعالم السني من جهة أخرى.
وفيما يخص تصاعد التوتر بعد فرض ترامب عقوبات على المرشد الأعلى علي خامنئي، وهو ما وصفه الرئيس حسن روحاني بأنه سلوك غبي، إضافة إلى عقوبات أخرى مشابهة تهدد كبار المسؤولين الإيرانيين الذين يسرقون قوت الشعب الإيراني ويحتكرون ثرواته، هي عقوبات تحاكي سيناريو أن إيران ستسرع في تخصيب اليورانيوم والاقتراب من الحصول على السلاح النووي، وخاصة بعد تأكيد مفتشي الوكالة الذرية الدولية عن إنتاج إيران لليورانيوم المخصب بدرجة تفوق الحد الأقصى المسموح به في إطار الاتفاق النووي المبرم مع القوى الكبرى لعام 2015، ويصرح الرئيس الإيراني حسن روحاني: أن إيران ستستأنف مشروعها الأساسي لمفاعل «آراك» (وسط البلاد) الذي يعمل بالمياه الثقيلة والذي أوقف بموجب الاتفاق، حيث ترى إيران أن الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق (ألمانيا والصين وفرنسا وبريطانيا وروسيا) لم تحترم التزاماتها بشكل كامل تجاه إيران، ويرد الرئيس الأميركي على هذا في حوار غير مباشر بأن الجانب الأوروبي لم يلتزم بدفع المبالغ التي وعد بها إيران في حالة التزامها بالاتفاق.
ومن جهة أخرى، في هذا العام تم تصنيف قوة إيران العسكرية، في مراتب متقدمة في معظم الدارسات المتخصصة، وقد حلت إيران في المرتبة 14 (من 137) في تصنيفات GFP النهائية للعام الحالي، وفيما يتعلق بالقوة العسكرية التقليدية، فإن إيران أضعف بكثير من الولايات المتحدة، لكن البلاد اتبعت منذ فترة طويلة استراتيجيات غير متماثلة قد تسمح لها بإلحاق أضرار جسيمة بمصالح الولايات المتحدة في المنطقة، والبحرية الإيرانية لا تحتاج إلى سفن كبيرة أو قوة نيران لإغلاق مضيق هرمز على سبيل المثال، ولكنها قد تستخدم الألغام أو الغواصات لإيقاف التجارة، وأشارت المناورات الحربية الأميركية إلى أن الهجمات الانتحارية بالقوارب السريعة والصواريخ يمكن أن تستخدم  ضد الجيش الأميركي، حيث وجد تقرير صادر عن مكتب الاستخبارات البحرية الأميركية عام 2017 أن البحرية التابعة للحرس الثوري تتميز عن البحرية الإيرانية النظامية وتركز على سفن أصغر وأسرع ومدججة بالسلاح، وهناك برنامج الصواريخ البالستية الإيراني والترسانة الصاروخية، حيث تطورت تكنولوجيا تلك الصواريخ الإيرانية في السنوات الأخيرة بمساعدة روسيا والصين والهند، ولهذا يعد خيار الغزو الأميركي لإيران مستبعداً تماماً في الوقت القريب، وهو ما يتطلب المزيد من القوات، ولا توجد خيارات جيدة لإيقاف إيران عسكرياً دون إغراق المنطقة في نزاع شامل، وهو ما لا تريد أميركا خوض غماره، ولكن ستلجأ الولايات المتحدة إلى عزل إيران واللعب بورقة حرب العقوبات واستمالة الجانب الأوروبي بأي ثمن.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات