بعد الانقلاب الفاشل في يوليو 2016، وتداعياته، شهدت تركيا اضطرابات أمنية، وانعكاسات سلبية لتطورات أحداث المنطقة وخاصة سوريا، والتي انعكست بدورها على علاقاتها الإقليمية والدولية، متأثرة بطبيعة صراع المصالح القائم بين روسيا والولايات المتحدة، الأمر الذي ساهم بهروب بعض الاستثمارات وتراجع نمو الاقتصاد التركي، إضافة إلى سلسلة مؤشرات سلبية، أقلها خفض سعر النقد وارتفاع نسبة البطالة. في ذلك الوقت ربط بعض المسؤولين الأتراك رهانهم على النتائج الإيجابية للاستفتاء الشعبي حول التعديلات الدستورية التي تعزز سلطة الرئيس رجب طيب أردوغان في التحول إلى نظام رئاسي. وتوقع «جميل أرتام» مستشار الرئيس التركي للشؤون الاقتصادية أن يتسارع النمو إلى 4.4%عام 2017، وأن يرتفع إلى 5%عام 2018. وكذلك توقع «أراد أرموط» رئيس وكالة تعريف ودعم الاستثمارات التابعة لرئاسة مجلس الوزراء «أن تظهر النتائج الإيجابية لهذا التحول بشكل واضح في النصف الثاني من عام 2017»، ووصف النظام الرئاسي بأنه «نظام واعد للاستثمارات الأجنبية».
ولكن بعد مرور نحو ثلاث سنوات، يبدو أن «حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر»، حيث جاءت النتائج مخيبة للآمال، على رغم أن آمال المسؤولين الأتراك لاتزال معلقة على إمكانية تحسن الأوضاع المالية والاقتصادية بإجراء بعض الإصلاحات الهيكلية، والتي بدأت بخفض الفائدة المصرفية من 24% إلى 19.75% تنفيذا لطلب أردوغان بعد إقالة حاكم البنك المركزي السابق «مراد شتينكاي» واستبداله بنائبه «مراد أويصال». وإذا كان الحاكم السابق قد اعتمد رفع سعر الفائدة لمنع هروب الاستثمارات، وجذب المزيد منها من الخارج، لحماية سعر صرف الليرة التي خسرت 30%من قيمتها العام الماضي ونحو15% في النصف الأول من العام الحالي، وارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية بلغت 25%، فإن أردوغان الذي أعلن مرارا أنه «عدو الفائدة»، يرى خلافا للنظريات الاقتصادية المتداولة «أن خفض الفائدة يؤدي تلقائيا إلى خفض التضخم» الذي يبلغ حاليا 19.7%، ويتوقع الحاكم الجديد أن ينخفض إلى 13.9% بنهاية العام الحالي، ثم إلى 8.2% العام المقبل. وهكذا يلاحظ أن «المركزي» يسير على حبل مشدود بين الرئيس الذي يتدخل لتغيير أسعار الفائدة، والأسواق المالية التي قد تنقلب ضد العملة الوطنية، وفي وقت يتكبد فيه المستثمرون خسائر كبيرة نتيجة تراجع قيمة استثماراتهم، وهم يفتشون عن الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي بما فيه الاستقرار المالي والنقدي والأرباح المضمونة.
معظم وكالات تصنيف الائتمان الدولية، حذرت من مخاطر تراجع الثقة بالاقتصاد التركي، خصوصاً أن هيئة الإحصاء التركية أوضحت في تقريرها أن مؤشر الثقة بلغ فقط 80.7 نقطة، وهو مؤشر خطير لأن الأقل من 100 نقطة يشير إلى تشاؤم المستهلكين إزاء الاقتصاد، لاسيما في ظل ضعف البيئة الاقتصادية. ولابد من الأخذ بالاعتبار تحذير هذه الوكالات من ارتفاع المخاطر بشأن تمويل تركيا لديونها الخارجية المتراكمة، مع استمرار المخاطر الأمنية الإقليمية والجيوسياسية المختلفة في المنطقة، بما في ذلك تداعيات تطور العلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في إطار إجراءات عقابية مرتقبة.
الرئيس أردوغان اختصر الأزمة وتداعياتها بأن «الليرة التركية تعرضت لمؤامرة خارجية لدفعها إلى الانهيار وتعطيل نمو الاقتصاد، وأن حكومته تصدت لها بنجاح»، بينما يرى معارضوه بأن ِشمولية الحكم «في ظل نظام الرجل الواحد أفقدت المستثمرين ثقتهم بالاقتصاد، وأفقدت الأتراك ثقتهم بالعملة الوطنية، وفقد الاقتصاد قدرته على النمو، وانكمش الناتج المحلي الإجمالي بدرجة مفزعة، وبالتالي تقلص نصيب الفرد من الدخل القومي».
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية