فيما عدا أولاده المتضررين منه، مَن قد يحمل العداوة ضد رجل مستسلم للظروف، منهزم أمام التحديات، تُهدَّد حياته ومصير أولاده فلا يحمر وجهه، يُصفع خده فيتأوّه ويبتعد، تُهضم حقوقه فلا يحرك ساكناً؟! قد لا يكون هذا الرجل محبوباً من الآخرين، لكنه حتماً ليس مكروهاً منهم، لأنه ببساطة غير مؤهل ليكون محلّ حب أو كره، ولا حاجة لاعتراضه وهو يسير «جنب الحيط». لكنه بالنسبة لأولاده، قد يكون أسوأ أب على وجه الأرض، لأنه صفر على الشمال، وهم يواجهون هذا العالم الذي لا يرحم بلاعب ناقص، يفترض أنه قائدهم، وحارسهم، ومدافعهم.
وعلى العكس من ذلك الإنسان الذي يجابه التحديات، ويذلل العقبات، فهو يشعل قلوب الحاسدين، ويقلق مضاجع الفاشلين. فلا شيء يشفي غليل الحاسد مثل إخفاق الآخرين، ولا شيء يعزّي الفاشل مثل انضمام غيره إليه في صف الفشل. وهذا الإنسان، وفي أثناء التحفز أمام الأخطار، والوقوف دون أن يكون لقمة سائغة، يعطّل مشاريع المعتدين، ويفسد أجندات الطامعين، ما يجلب عليه بطبيعة الحال عداوتهم وكراهيتهم.
وفي القانون ثمة مبدأ يقضي بحق الدفاع عن النفس ولو أدى إلى إنهاء حياة المهاجم. ورغم أن القانون يبيح للمدافع صدّ المهاجم ومنع استمرار هجومه، فإن الشرطة تتخذ إجراءاتها نحوه باعتباره معتدياً، والنيابة العامة تحقق معه باعتباره متهماً، والقضاء يقيّم الموقف، ويوازن بين الخطر الذي واجهه والدفاع الذي صدر منه، ثم يقرر ما إذا كان «المتهم» في حالة دفاع عن النفس من عدمه، وتبرّئ ساحته بعد مشوار طويل، ينظر إليه خلاله كمعتدٍ لا معتدى عليه أوقف الاعتداء الذي كان يتعرض له.
وإذا كان هذا حاله أمام الجهات التي تعرف كافة تفاصيل الواقعة، وظروفها، وملابساتها، فموقفه أصعب لدى من لا يعرفون من الأمر شيئاً سوى أنه الذي تورّط بجناية وحوكم عنها، بل حتى الحكم ببراءته لن يجعل الجميع ينظر إليه كضحية تصرّف بما أملى عليه الظرف الصعب والخطر المحدق.
والدول في هذا لا تختلف عن الأفراد، إذ الفكرة هي نفسها، الدول المترهلة العاجزة عن الحركة، والفاقدة للرؤية والبصيرة، المستسلمة لواقعها، المنهزمة أمام من يريد بها شرّاً ويتخذها ساحة لتمرير أجنداته، هي مثل ذلك الرجل الفاشل المأساوي الذي لا يعاديه أحد ولا يكرهه أحد لأنه غير جدير بأن يُتخذ أي موقف منه.
ومثلها الدول التي لا موقف لها أمام الحرائق من حولها سوى التفرّج لعل النيران تنطفئ من تلقاء نفسها، ومتى ما بادر غيرها إلى القيام بالواجب الضرورة، الذي فيه حياة وأمن واستقرار للجميع، وقفت تلقي التعليمات والإرشادات. ورغم أنه يقال إن الذي يعمل يخطئ، والذي لا يعمل لا يخطئ، فإنه في بعض الظروف عدم فعل شيء هو أكبر خطيئة.
أما الفاعل، المبادر، الذي ينظر إلى أبعد مما تحت قدميه، ولا يتوانى عن الدفاع عن مصالحه المشروعة، ويشكل رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه، فقدره الذي لا مفر منه أن يستجلب العداوات بلا ذنب منه ولا خطأ.

*كاتب إماراتي