رغم كل شيء فإن الإدارة الاقتصادية الكفؤة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين جنّبت بلاده انهياراً اقتصادياً، وهي إدارة ما زالت تقود البلاد في الاتجاه الصحيح اقتصادياً. ووفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي، فإن الخطوات الحكومية الأخيرة قد تؤدي إلى تحسين النمو. لكن وراء هذا الخبر السار مشكلة تتمثل في أن أي تحسينات مهمة ستتطلب زعزعة التوازن السياسي الهش الذي يضمن الاستقرار.
خلال الفترة بين عامي 2014 و2018، نما الاقتصاد الروسي بنسبة 0.5% سنوياً، غير أنه وفق حسابات صندوق النقد الدولي، كان يمكن أن يكون المعدل أسرع بنحو 1.1 نقطة مئوية لولا ثلاثة عوامل: العقوبات الغربية على خلفية ضم القرم، وانخفاض أسعار النفط، والردود المالية والماكرو اقتصادية على هاتين الصدمتين. ورغم أن تضافر هذه العوامل جعل روسيا تتخلف عن مثيلاتها من الأسواق الناشئة الكبيرة ومن الدول الشيوعية السابقة داخل الاتحاد الأوروبي، فإن تأثير الصدمتين تم احتواؤه نسبياً. ويعزى هذا أساساً إلى العمل الكبير الذي قام به المديرون الاقتصاديون للبلاد، الذين أبقوا على الميزانية صغيرة، وعلى التضخم منخفضاً، وعلى الاحتياطيات الدولية نامية، وعلى الديْن الوطني في مسار تنازلي. لكن الآن تواجه السلطات الاقتصادية تحدياً أصعب، ألا وهو تسريع النمو، والطريقة التي ردوا بها تبدو معقولة بالنسبة لصندوق النقد الدولي، وإنْ احتجت عليها المعارضة الروسية.
وتتمحور الاستراتيجية الأساسية حول «المشاريع الوطنية الثلاثة عشر»، التي تزيد حجم الإنفاق على البنية التحتية والصحة والتعليم بحوالي 1.1% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً بين عامي 2019 و2024. وفي هذا الأثناء، رفعت الحكومة ضريبة القيمة المضافة اعتباراً من هذه السنة بغية تمويل الزيادات، وأعلنت عن إصلاح لنظام التقاعد (لا يحظى بالشعبية) يرفع سن التقاعد تدريجياً خمس سنوات، إلى 65 بالنسبة للرجال و60 بالنسبة للنساء. غير أن هذه الإجراءات لم تجعل أغلبية الروس يثقون في المشاريع الوطنية، كما أن إعلان زيادة الضريبة ورفع سن التقاعد لم يلقيا ترحيباً كبيراً.
ووفاءً منه لسمعته ككاره للإنفاق الاجتماعي، رحّب صندوق النقد الدولي بإصلاح نظام التقاعد، ورأى أن تضافر هذه الإصلاحات كلها يفترض أن يؤدي إلى تسريع معدل النمو الاقتصادي بحلول عام 2024 إلى ما بين 1.6 و2% مقارنة بـ 1.2% المتوقعة لهذا العام. وبعبارة أخرى، فإن الخطوات الجديدة قد تعوّض إلى حد كبير تأثير صدمات ما بعد 2014.
لكن ذلك ليس طموحاً في الحقيقة، كما أن معدل نمو بنسبة 2% لن يساعد روسيا على اللحاق بنظيراتها من الدول الكبرى. والمشكلة هي أن لا شيء تقريباً مما يقترحه صندوق النقد الدولي لتحقيق نمو أسرع قابل للتحقق سياسياً: فالاقتراحات إما ستؤدي إلى مزيد من الاستياء الاجتماعي، وهو ما يريد بوتين تجنبه بأي وسيلة، أو إلى إضعاف أركان البلاد ونظامها.
وعلى سبيل المثال، يشير صندوق النقد الدولي إلى أن المشغِّلين الروس مطالَبون بدفع 30% من رواتب عمالهم كمساهمات في بعض الصناديق الاجتماعية. ويقترح أن تخفّض الحكومة ذلك العبء من أجل تحفيز الشركات، مع تعويض الخسائر المالية بمزيد من عوائد ضريبة القيمة المضافة. لكن الروس، الذين كثيرا ما يكونون غير واعين بالمساهمات التي يقوم بها مشغِّلوهم من أجلهم، سيلاحظون على الفور الزيادات في ضريبة القيمة المضافة التي ستنعكس مباشرة على الأسعار. ولأسباب مماثلة، ستتجاهل الحكومة الروسية توصية صندوق النقد الدولي المتعلقة بخفض الإنفاق أكثر، بما يصل 2% من الناتج الإجمالي المحلي، على حساب البرامج الاجتماعية.
وبالنظر إلى القيود السياسية التي تواجه الإدارة الاقتصادية، يصعب تصور كيف يمكن لروسيا أن تنزع فتيل القنابل الاقتصادية الموقوتة، مثل انخفاض الاستثمارات الأجنبية، والتدفق المزمن لرؤوس الأموال إلى الخارج، والحجم الكبير لديون الأسر. إن إحدى الطرق الممكنة تتمثل في إنفاق مزيد من احتياطي النقد الأجنبي لسد الثغرات، لكن روسيا لن تلجأ إلى ذلك، على الأقل في الوقت الحالي، لوجود بيئة دولية يصعب التنبؤ بها.
ما تحتاجه روسيا لزيادة وتيرة نموها هو الشجاعة لإيلام إما الروس العاديين الذين بدأ صبرهم ينفد منذ بعض الوقت، أو مجموعات المصالح الكبيرة والمتنفذة. غير أنه في وقتنا الراهن، تؤْثر موسكو البعد عن المجازفة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»