في اقتصاد السوق الحر، من المفترض أن تتاح لكل شخص فرصة الثراء. وحلم تحقيق النجاح يحفز الناس على المجازفة، وبدء مشروعات، والبقاء في المدرسة والعمل بجد. ولسوء الحظ، يبدو أن هذا الحلم يموت في الولايات المتحدة.
لا يزال هناك الكثير من الأثرياء في الولايات المتحدة، وتزداد ثرواتهم. لكن الناس خارج هذا المستوى المرتفع يواجهون وقتاً عصيباً للوصول إليه. وقد وجدت دراسة أجراها بنك الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند عام 2017 أن احتمالية أن تتمكن الأسرة خارج أعلى 10% من دخول أعلى مستوى خلال عشر سنوات كان الضعف خلال الفترة من 1984-1994 كما كان خلال الفترة من 2003-2013.
وهناك بالتأكيد العديد من الأسباب لهذا الاتجاه، لكن من المحتمل أن يكون أحد هذه العوامل هو هيكل «الرابح يأخذ كل شيء» في الاقتصاد الأميركي، حيث عدد قليل من الناس يحالفهم الحظ مع صندوق التحوط الخاص بهم، أو شركة جديدة للتكنولوجيا، بينما يفشل معظم الناس.
والطريقة التقليدية للثراء في أميركا هي البدء في عمل تجاري أو شركة جديدة. وبالنسبة لأصحاب الموارد المتواضعة، ربما يكون هذا متجراً أو مطعماً، أما بالنسبة للأكثر طموحا، فيكون شركة تكنولوجيا. ولا يزال العديد من الأميركيين يفعلون ذلك، لكن العدد آخذ في الانخفاض مع تلاشي تشكيل الشركات:
ويُعزى قدر كبير من هذا التراجع إلى سلاسل التجزئة الوطنية الفعالة التي تجبر الشركات المحلية الصغيرة على الخروج من السوق، لكن الشركات الجديدة ذات النمو المرتفع تتضاءل أيضاً، وهيمنة بعض شركات التكنولوجيا العملاقة قد تجعل من الصعب على الشركات الناشئة الوصول إلى أعلى درجات النجاح.
إذا لم تبدأ نشاطك التجاري الخاص بك، يمكنك دائما الاستثمار في نشاط شخص آخر. والمستثمرون الذين يضعون أموالهم في أسهم رابحة، مثل شركة كوكا كولا أو أمازون يتمكنون من صنع ثروات. لكن تحويل مبلغ صغير من المال إلى مبلغ كبير في السوق يتطلب القيام برهانات كبيرة –ومحظوظة بشكل ملحوظ – على الأسهم الفردية. ومعظم الناس الذين يحاولون القيام بهذا ينتهي بهم الحال بالفشل. بالنسبة للمواطن الأميركي العادي، يعد السوق لعبة محيرة، مليئة بالمتداولين الذين لديهم صناديق تحوط ماهرة وينتظرون أخذ أموالهم، لقد علّمت عقود من الخبرة المضنية المستثمرين الأفراد أن التداول اليومي هو رهان خاسر. ومعظمهم يقومون ببساطة بتحويل أموالهم إلى المؤسسات، ويقبلون عوائد أقل تواضعاً، ولكنها أقل خطورة.
أما الأميركيون من الطبقة المتوسطة، فيميلون لأن يضعوا معظم ثرواتهم في العقارات. ومنذ الثمانينيات وحتى أوائل العقد الأول من القرن الـ 21، حاول العديد من الأميركيين تحقيق الثراء من خلال شراء وبيع منزل ثانٍ وثالث، لكن فقاعة العقارات، التي كانت مدفوعة إلى حد كبير بهذا النوع من النشاط، حطمت حلم العقارات بالنسبة للكثيرين. ورأى الآخرون الذين اشتروا منزلاً واحداً أنه يفقد قيمته في هذه الأزمة، والذين أجبروا على بيع منازلهم لم يتمكنوا من تعويض خسائرهم عندما تعافت الأسعار في نهاية المطاف.
وبعد الركود، تم تشديد معايير الإقراض، ما جعل من الصعب بالنسبة للأشخاص ذوي الموارد المتواضعة الدخول في سوق العقارات والبدء في تكوين ثروة. وعاد الاستثمار في العقارات، لكن معدلات ملكية المنازل تراجعت، ما يشير إلى أن أحد الطرق الرئيسة لتراكم الأصول لم يعد متاحاً بسهولة بالنسبة لأصحاب الموارد الأقل. وبالنسبة للمستويات الوسطى من توزيع الثروة – ومعظمها في مجال الإسكان – فقد تمكنوا بالكاد من التعافي من الدمار الذي حدث في مطلع العقد الأول من القرن الـ 21.
حتى لو لم يفز المرء بشكل كبير في مجال الإسكان أو سوق الأسهم، فمن الممكن أن يصبح ثرياً بشكل معتدل من خلال التدرج في السلم الوظيفي، حيث لا تزال الشركات تقدم رواتب عالية للعلماء في مجال البيانات من الحاصلين على الدكتوراه، وكذلك المسؤولين التنفيذيين وكبار المديرين.
ومع صعود الشركات الكبرى، والمستثمرين المؤسسين، ومعايير الإقراض الصارمة ومتطلبات الدرجة العلمية، فإن فرص المواطن الأميركي لتحقيق الثروة دون أن يكون عبقرياً أو من أسرة ثرية تبدو محدودة أكثر من أي وقت مضى.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيثرفس»