فرض تنظيم «داعش» الإرهابي سيطرته إلى حد كبير على مخيم ضخم في شمال شرق سوريا، ولا توجد أي خطة لما ينبغي فعله مع الـ 70 ألف شخص الذين يقيمون فيه (ومن بينهم أكثر من 50 ألف طفل). ولهذا يجب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي معالجة هذه الأزمة الإنسانية والأمنية العاجلة، قبل قيام «دولة خلافة» جديدة أمام أعيننا.
وكان الرئيس دونالد ترامب أعلن أن «100 في المئة» من «دولة الخلافة» المزعومة قد دُمرت بعد سقوط مدينة الرقة وقيام الائتلاف الدولي بدحر معاقل تنظيم «داعش». ولكن عشرات الآلاف من مقاتلي التنظيم وأفراد عائلاتهم الذين بقوا هناك اقتيدوا إلى مخيمات مسيجة ضخمة للأشخاص النازحين داخلياً تفتقر إلى المساعدات والأمن والمراقبة. وبشكل منفصل عن مخيمات الأشخاص النازحين داخلياً، التي تأوي النساء والأطفال، يوجد أكثر من ألفي من مقاتلي «داعش» في شبكة من السجون المرتجلة. وتتولى إدارةَ النظام برمته «قواتُ سوريا الديمقراطية» الكردية، التي تعاني من نقص الموارد والموظفين والمتحالفة مع الولايات المتحدة عينها على المخارج.
ووفق مسؤولين ومشرِّعين وخبراء أميركيين، فإن تنظيم «داعش» يمارس الآن نفوذا وسيطرة أكبر في أكبر مخيم للأشخاص النازحين داخليا، واسمه «الهول»، وذلك مقارنة بنفوذ بضعة عشرات من حرس «قوات سوريا الديمقراطية» المرابطين هناك. فقد أنشأت نساء «داعش» شرطة آداب داخل المخيم، تفرض أحكام الشريعة، بل وتنفّذ إعدامات وحشية، كما قال مسؤولون. كما يقوم «داعش» بتجنيد عناصر جديدة من المخيم، ويهرِّب المقاتلين إلى داخل المخيم وخارجه، ويستخدمه للتخطيط لهجمات في أجزاء أخرى من سوريا، كما أخبرني مسؤولون. وعليه، فإذا لم تكن هذه النسخة الثانية من «دولة الخلافة»، فإنها ستصبح كذلك قريبا.
وفي هذا السياق، قال لي السيناتور ليندسي جراهام (الجمهوري عن ولاية كارولاينا الجنوبية): (لقد أخذ مخيم الهول يتحول بسرعة إلى دولة خلافة صغيرة وأرضية خصبة للتجنيد بالنسبة لتنظيم «داعش»، مضيفا «إن الوجود العسكري حول المخيم ضعيف بشكل لا يصدق، والمخيم يديره رجال «داعش» تحت أنظارنا).
نحو 11 ألف من أصل الـ 70 ألف شخص الذين تشكِّل النساء والأطفال أغلبيتهم ينحدرون من بلدان خارج العراق وسوريا. بلدان رفض معظمها استعادة مواطنيها، تاركة إياهم في ظروف مزرية تسهِّل جهود التجنيد «الداعشية». وقد تسلمت الولايات المتحدة 21 شخصا من النازحين داخليا وتقوم حاليا بمحاكمة كل من سافروا إلى سوريا كراشدين. ولكن معظم البلدان الأوروبية ترفض فعل ذلك، بل إن بعضها جرّد أعضاء في «داعش» من الجنسية.
وتعليقا على هذه النقطة، قال غراهام: (إن الرد الأوروبي في ما يتعلق بمقاتلي «داعش» كان مؤسفا وخطيرا، وعندما يتعلق الأمر بمخيم الهول، هناك إشارات الخطر. ونحن نتجاهلها).
ترامب، الذي يشعر بخيبة أمل إزاء موقف أوروبا، كان قد هدّد بـ«الإفراج» عن الآلاف من مقاتلي «داعش» إلى أوروبا، والذي من المحتمل أنه كان مجرد مزحة. ولكن في غياب بعض التحركات، يستطيع هؤلاء الوصول إلى القارة العجوز بأي طريقة.
الأزمة الأمنية والإنسانية في مخيم الهول تتفاقم وتزداد سوءا مع انسحاب القوات الأميركية من شمال شرق سوريا ومع تكاثر الأسئلة بشأن الالتزام الأميركي هناك. ذلك أن إدارة ترامب تتبنى موقفا غامضا بشأن مخططاتها في سوريا، جزئيا لأن مسؤولي ترامب يدركون أن الرئيس يمكن أن يوقف العملية برمتها في أي وقت. والحال أن الغموض يُضعف الزعامة الأميركية اللازمة لمعالجة الأزمة.
وإضافة إلى إعادة أفراد الأسر إلى الوطن، يجب على المجتمع الدولي معالجة سبل الإبقاء على المقاتلين مسجونين وإنشاء نظام سجني لا يعتمد على «قوات سوريا الديمقراطية» فقط. كما يجب على الولايات المتحدة تعزيز الإجراءات الأمنية في السجون والمخيمات فورا. ويجب أن تكون ثمة جهود لمعالجة تطرف الأطفال الذين يمكن إنقاذهم. وإذا لم يتم القيام بكل هذا بسرعة، فإن كل الاستراتيجية الأميركية من أجل استمرار هزيمة تنظيم «داعش» ستصبح عديمة القيمة والجدوى.
ووفق الأمم المتحدة، فإن 65 في المئة من المقيمين في مخيم الهول هم دون سن الثانية عشرة و20 ألف منهم دون سن الخامسة، ما يعني أنهم وُلدوا أثناء «الخلافة» الأولى لتنيم «داعش». وإذا سمحنا لهؤلاء الأطفال بأن ينشأوا ويتربوا في «الخلافة» الثانية، فإن أطفالنا هم من سنُضطر لإرسالهم إلى هناك مرة أخرى من أجل قتالهم يوما ما.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»