شيء يثلج الصدر ويُبهج النفس عندما ترى أن معدل الوعي يزداد في الشارع العربي. هذا ما شعرت به وأنا أتابع هاشتاج «غرّد كأنك قناة الجزيرة» في تويتر، وأرى أسماء مشهورة في سماء السياسة والإعلام في بلادنا تشارك فيه. هذا الهاشتاج أنشأه المغردون السعوديون والإماراتيون وسجلوا به موقفاً واضحاً من قناة الأكاذيب والفتنة، قناة «الجزيرة» القطرية. صورة وتعليق ساخر من هذه القناة التي قلبت الحق باطلاً والباطل حقاً وجعلت الشجاع جباناً والجبان شجاعاً وأطلقت وصف الخيانة على الأمين والأمانة على الخائن.
عندما خرجت قناة «الجزيرة» لأول مرة في عام 1997 استطاعت أن تبهر العالم ببرامجها التي لم تكن معهودة للمشاهد العربي في تلك الفترة، خصوصاً برنامج «الاتجاه المعاكس» الذي بدا وكأنه نقاش علمي يقوم به طرفان يحمل كل واحد منهما وجهة نظر تختلف عن الآخر. وهناك البرامج الثقافية التي سال لها لعاب المشاهد العربي لدرجة أن من يُحرّمون اقتناء جهاز التلفزيون اقتنوا صحون التقاط البث المباشر فقط لكي يتابعوا برامج قناة «الجزيرة» من الدوحة، كان هذا هو مظهر العسل. لكن سرعان ما تبين للنخب طعم السمّ الممزوج بذلك العسل. لا يمكن أن تمر على مَن يعرف ألف باء السياسة والإعلام أن يرى قناةً تُحدِث ثورةً في عالم الإعلام العربي، وتتدخل في كل صغيرة وكبيرة من شؤون العالم، والعالم العربي بالذات، وتتسبب في مشكلات كبرى بين الدول، ثم لا تقول حرفاً واحداً عما جرى ويجري في قطر نفسها، وكأن قطر ليست من هذا العالم! إنه «الخازوق» الذي لم يستطع المدافعون عن قناة «الجزيرة» تجاوزه. هناك مشكلات وقضايا إنسانية كثيرة في قطر، لعل أبسطها قضية «الغِفران» (من قبيلة آل مرة) الذين سُحبت منهم الجنسية القطرية، دون أن تتناولها «الجزيرة» بشطر كلمة.. وغيرها كثير.
كان هذا هو المشهد قبل 2011 وبدء زمن «الثورات» والويلات والحروب، الزمن الذي يسميه الإعلام «الربيع العربي»، إذ ما أن اندلعت الاضطرابات حتى سقطت آخر أوراق التوت عن «الجزيرة» وانكشف وجهها القبيح. إنها ليست قناة إخبارية، ولا محايدة، ولا مهنية، بل غرفة عمليات عسكرية تديرها المخابرات القطرية على مدار اليوم، وهذه المخابرات بدورها تتبع لنظام الحمدين الذي هو بدوره يتبع للدولة العميقة في أميركا وبريطانيا، أي لمراكز القوى من خارج السلطات المنتخبة في البلدين.
والهدف من كل ذلك هو تفتيت المفتت وتجزئة المجزأ وتقطيع أوصال الأمة العربية وتدمير جيوشها. هذا ما أصبح واضحاً لكل من له عينان ولم يغترّ بجعجعة عزمي بشارة الذي لا يزال إلى هذه اللحظة يزعم أنها ثورات شعوب وينفي وجود المؤامرات الخارجية التي حركت هذه «الثورات».
مَن الذي كتب على الجدران في درعا «جاك الدور يادكتور»؟! الجملة التي كانت شرارةَ الحرب الأهلية السورية التي طال عمرها أكثر من الحرب العالمية الثانية، ومات وشُرد بسببها ما لا يُحصى من إخوتنا السوريين؟ لمن الأيدي الخفية التي كتبت تلك العبارة؟! لابد أن نسأل، ولن يجد المدافعون عن النظام الذي يحكم قطر اليوم وقنواته المشبوهة، أي جواب يلوذون به.