في شهر مايو الماضي، أدرجت الولايات المتحدة شركة هواوي الصينية للاتصالات السلكية واللاسلكية في القائمة السوداء، وحظرت كافة المعاملات التجارية معها، باستثناء رخصة مؤقتة كانت ستنتهي هذا الشهر ولكنها تم تمديدها لمدة 90 يوماً. والآن تقوم شركة هواوي بتطوير أول شبكة للجيل الخامس (جي 5) في روسيا، في استقطاب تكنولوجي أوسع نطاقاً يمكن أن يؤدي إلى تعزيز الفجوة الجيوسياسية العالمية، في ظل تعاون الصين مع روسيا ضد الولايات المتحدة.
تعد هواوي ثاني أكبر بائع للهواتف الذكية في العالم، بعد أن تجاوزت المبيعات العالمية لشركة «آبل» الأميركية. وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، تم ثني الشركات الأميركية عن استخدام معدات الاتصالات الصينية خوفاً من التجسس. ومع ذلك، فإن إدراج هواوي رسمياً في القائمة السوداء يعني أنها لن تتمكن من شراء الأجهزة والبرامج الأميركية لهواتفها الذكية. يذكر أن الشركات الصينية تستورد ما يقرب من نصف الرقائق، التي تستخدمها في هواتفها الذكية، من الولايات المتحدة. وقد يؤدي هذا إلى عدم توفر خدمات «جوجل» الشائعة مثل «جي ميل» و«يوتيوب» ومتصفح «كروم» على هواتف هواوي في المستقبل.
وكان رد فعل الصين متحدياً، فقد هددت بقطع الشركات الأميركية عن سلاسل إمداداتها من العناصر الأرضية النادرة. «والعناصر الأرضية النادرة»، هي مجموعة من 17 عنصراً من المكونات المهمة في سلسلة التكنولوجيا المدنية والاستراتيجية الأميركية، بدءاً من «آيفون» إلى الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية وأجهزة الكمبيوتر والطائرات والأسلحة الدقيقة المتطورة.
استوردت واشنطن نحو 80% من احتياجاتها من العناصر المعدنية النادرة من الصين خلال الفترة بين 2014 و2017. وفي عام 2017، كانت الصين تمثل نحو 81% من إنتاج العالم من هذه المواد ومعظم المنشآت التي تقوم بمعالجتها. كما أن المعادن التي يتم شراؤها من بلدان أخرى تشق طريقها أيضاً إلى الصين من أجل المعالجة، ما يعني احتكار الصين شبه التام لسلاسل الإمداد المتكاملة لهذه المعادن الأرضية النادرة. وقد ردت صحيفة «الشعب»، الصحيفة الرسمية للحزب الشيوعي الصيني، في عنوانها الرئيسي: «لا تقولوا إننا لم نحذركم»، وفي الشرق الأوسط، حيث تعد هواوي الشركة الرائدة لشبكة «الجيل الخامس» والمعدات المرتبطة بها في المنطقة، تلعب الشركة دوراً مهماً في تطوير أنظمة الاتصالات الوطنية. فقد نفذت بالفعل بشكل كبير في الصين والأردن ولبنان.
وعلى الجانب الآخر، فرض بعض حلفاء الولايات المتحدة، مثل أستراليا واليابان، حظراً فعالاً على شركة هواوي. أما سائر حلفاء «الناتو»، بما في ذلك ألمانيا وفرنسا وهولندا، فهم أكثر تردداً في القيام بذلك، خوفاً من الآثار السلبية المحتملة على اقتصاداتها حال قيام الصين بالرد. وإذا تمكنت دول الشرق الأوسط من تجنب انخراطها في الحرب التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين، فمن المحتمل أن تستفيد من الوصول إلى خيارات تكنولوجية واستراتيجية أكثر تنافسية.
وتحقق الصين بعد التقدم الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط. فهي بالفعل أكبر مصدر للطائرات المسلحة من دون طيار لدول الشرق الأوسط. وتمثل منطقة الشرق الأوسط حصة متواضعة تبلغ نحو 6% من إجمالي صادرات الصين من الأسلحة، لكن المبيعات زادت بنسبة 32% على مدار الأعوام الخمسة الماضية. وتسعى الصين للحصول على حصة أكبر من سوق الأسلحة المتنامي في المنطقة. ويقوم مصدرو الأسلحة الصينيون بعرض أسلحة عالية التقنية في معارض الدفاع المحلية. وقد مكنتهم الاختراقات التي حققوها في مجال إنتاج أسلحة معينة يحتمل أن تكتسب زخماً في منطقة محاطة بمسطحات مائية ضيقة. وعلى سبيل المثال، كشفت شركة الصين لبناء السفن عن قارب روبوتي يعد «مدمراً صغيراً من طراز إيجيس».
وإذا استمرت هذه «الحرب التكنولوجية»، فإن إدارة ترامب تخاطر بمواجهة معارضة محلية، نظراً لأن اقتصاد التكنولوجيا في الولايات المتحدة وقدراتها الدفاعية من المرجح أن تعاني بسبب عدم قدرتها على إيجاد بدائل للمواد المعدنية النادرة التي تحصل عليها من الصين، والتي ينظر باعتبارها «عماد الأمن القومي». وأفادت تقارير بأن أسعار المواد المعدنية النادرة قد بلغت بالفعل مستويات قياسية فقط من احتمال أن يصبح هذا القطاع بمثابة جبهة الحرب التالية.
وفيما تتصارع الولايات المتحدة والصين للهيمنة على الجيل القادم من التكنولوجيا والتحكم في «البيانات الضخمة» في شبكة عالمية متشابكة، فإنه من الصعب بشكل متزايد فك الارتباط بين هذين النظامين البيئيين دون حدوث ضرر متبادل. لذلك، ففي جميع الاحتمالات، لن تتصاعد الحرب التكنولوجية. ويعتقد بعض المراقبين أنه من خلال حظر الروابط مع هواوي، ربما تسعى إدارة ترامب لممارسة ضغوط تكتيكية على الصين للتوصل إلى اتفاق تجاري مناسب.
وسواء تصاعدت الحرب التكنولوجية أم لا، فإن خطوة إدراج عملاق الاتصالات الصينية العالمي في القائمة السوداء كان بمثابة لحظة حقيقة من حيث الصعود الطموح للشركة. ومن المرجح أن تضاعف الصين جهودها الآن لبناء سلاسل توريد في قطاعات التكنولوجيا الحيوية. ومن الممكن أن تساعد الحرب التكنولوجية الصين على الظهور كشريك تكنولوجي واستراتيجي منافس في الشرق الأوسط.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي