لا حديث اليوم في فرنسا إلا عن العنف الزوجي وأسباب ازدياده وتداعياته على المجتمع، حتى دخلت البلاد في حملة موسعة ضد هذه الظاهرة، ابتداءً من 3 سبتمبر وحتى 25 نوفمبر. إذ تقول الأرقام إن 101 فرنسية قتلت على أيدي شركاء حياتهن خلال العام الجاري (2019)، وهو رقم مخيف جداً إذ يعطي حقيقة أخرى غير مذكورة، وهي المتعلقة بالنساء اللواتي يتعرضن للضرب والإيذاء البدني والنفسي، وربما تكون أرقاماً بالآلاف.
وقال رئيس الوزراء الفرنسي، إدوار فيليب: «اليوم في بلدنا، تموت مواطنات فرنسيات خنقاً أو طعناً أو بحرقهن أحياء أو تحت الضرب، بواقع كل يومين أو ثلاثة‏». وفي أوروبا، تُصنف فرنسا من بين أسوأ البلدان على صعيد عدد النسوة اللواتي قُتلن على يد أزواجهن، مع 0.18 ضحية لكل مئة ألف امرأة، وفق آخر الأرقام المعروفة الصادرة عن هيئة «يوروستات» الأوروبية في 2017. وهذا المعدل أعلى من سويسرا (0.13) وإيطاليا (0.11) وإسبانيا (0.12)، لكنه أدنى من ألمانيا (0.23).
وسبق وأن دعت المنظمات الفرنسية، الحكومة إلى تخصيص حوالي مليار يورو لأجل ذلك. وأعلن رئيس الوزراء الفرنسي، إدوار فيليب، عند افتتاح الأيام الحكومية ضد العنف الزوجي عن خطة بـ5 ملايين يورو من أجل توفير 1000 سرير ومكان لإيواء الضحايا. وجرت نقاشات حول هذه الظاهرة في مقر رئاسة الحكومة الفرنسية، بحضور وزراء التربية الوطنية والعدل والداخلية والإسكان وحماية الطفولة، إضافةً إلى سكرتيرة الدولة من أجل المساواة بين الجنسين، وحضرت هذه النقاشات المنظمات المعنية وعائلات الضحايا.
وفي إطار هذه المساعي، أعلن رئيس الوزراء الفرنسي استحداث 250 موقعاً للإيواء في حالات الطوارئ للنساء الهاربات من العنف الأسري اعتباراً من مطلع 2020، و750 موقعاً آخر مخصصاً لإعادة الإيواء المؤقت، وهو تدبير قدّرت كلفته بخمسة ملايين يورو. كذلك ستختبر الحكومة استحداث غرف طوارئ داخل المحاكم «لمعالجة الملفات في غضون 15 يوماً». وسيتمكن الضحايا أيضاً من تقديم شكاوى بصورة منهجية في المستشفيات. ومن المقرر الإعلان عن خلاصات هذه المناقشات في 25 نوفمبر بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد النساء. وللتوعية بهذا الوباء وإيقافه، تم إطلاق رقم (3919)، لفائدة ضحايا العنف الزوجي، والذي روّجت له وسائل الإعلام الفرنسية.
كما تقرر تنظيم عشرة مجموعات عمل، حول مواضيع رئيسية ثلاثة: الوقاية، ورعاية الضحايا، وأخيراً معاقبة المسؤولين.. وهو ما ستتفرع عنه مئات الاجتماعات المحلية تحت إشراف محافظي الأمن.
الحكومة الفرنسية في مسابقتها للزمن، تحاول الخروج بإعلانات قوية لتأكيد رغبتها في إيقاف عنف الرجل ضد المرأة، والذي نجحت حكومات أوروبية عديدة، منها إسبانيا (وفق تصريحات مارلين شيابا، سكرتيرة الدولة من أجل المساواة بين النساء والرجال)، في لجمه إلى أبعد الحدود.
لكن عند متابعتنا للنقاش الدائر في الأوساط الإعلامية والمجتمعية الفرنسية، قلما نستمع للأسباب المجتمعية وراء هذا العنف الأسري، فلا توجد دراسات سوسيولوجية تمكن من فهم الظاهرة، وتجعلنا نفقه دوافع الزوج لاستعمال قوته البدنية لإنهاء حياة شريكته، ولماذا تصل العلاقة الزوجية إلى هذه الدرجة من العنف، علماً بأن رافعي راية الحضارة الغربية وممثليها دائماً ما يمجدون المستوى الراقي للعلاقة بين الأفراد داخل مجتمعاتهم، لا سيما بين الأزواج وداخل الأُسر، لكن عندما تطلع على ما تحت حشائش هذه العلاقات ستلاحظ حقائق مرعبة! لذلك أتساءل عن جدوى ترسانة الميكانزمات القانونية، وهل ستوقف النزيف المجتمعي؟ ولماذا لم تفعَّل سلفاً؟؟ ها هي النائبة البرلمانية والمناضلة النسوية المعروفة «كليمونتين أوتان» تسخر من أي تعزيز للترسانة «القمعية»، كما وعدت الوزيرة مارلين شيابا، فالقوانين موجودة وكافية، وما ينقص هو التفعيل والوقاية، والأموال اللازمة لذلك، وأزيد من جهتي: ضرورة تجفيف مصادر العنف انطلاقاً من إعادة النظر في منظومة القيم والتعليم وإيقاف الاستعلاء الذكوري التسلطي، بالاستثمار في الناحية التربوية أكثر منه في الناحية القانونية.
*أكاديمي مغربي