تتوجه الهند نحو أول مرحلة من انتخابات المجالس التشريعية في الولايات بعد فوز رئيس الوزراء «ناريندرا مودي» بفترة ولاية جديدة في مايو من العام الجاري. وولايتا «هاريانا» و«ماهاراشترا»، التي يحكمهما حالياً حزب «بهاراتيا جاناتا» بزعامة «مودي» ستكونا أول ولايتين يجري فيهما انتخابات المجالس التشريعية. وستجرى الانتخابات في كلا الولايتين في 21 أكتوبر المقبل في مرحلة انتخابية واحدة، وستُعلن نتائج الانتخابات في 24 أكتوبر. وبالنسبة للحزب الحاكم، ستكون الانتخابات أول اختبار له كي يظهر مدى قدرته على إقناع الناخبين مرة أخرى بأنه يجب أن يتولى القيادة في الولايتين.
وناخبو الهند حصيفون سياسياً واشتهر عنهم أنهم يصوتون في انتخابات الولاية بشكل مختلف عن الانتخابات العامة. فيميل الناخبون في الانتخابات العامة عادة إلى النظر للصورة الكبيرة، بينما يركز الناخبون أنظارهم في انتخابات الولايات على القضايا المحلية. واستعد حزب «بهاراتيا جاناتا» بالفعل للانتخابات وعكف على عقد اجتماعات انتخابية حاشدة. وفي انتخابات عام 2014، حصد الحزب 47 مقعداً من عدد المقاعد البالغ عددها 90 مقعداً في المجلس التشريعي بولاية «هاريانا»، بينما حصد حزب «المؤتمر» 15 مقعداً فقط. والأوضاع في الانتخابات المقبلة لن تتغير كثيراً لأن المعارضة هناك مفتتة. وفي ولاية «ماهاراشترا»، يعمل حزب «بهاراتيا جاناتا» وحليفه حزب «شيف سينا» على الانتهاء من تفاصيل مقاسمة المقاعد في المجلس التشريعي المؤلف من 288 مقعداً، علماً بأن الحزب الحاكم حصد 122 مقعداً بينما حصد حزب «شيف سينا» 63 مقعدا في انتخابات الولاية عام 2014.
وانتخابات المجالس التشريعية في الولايات الهندية تمثل لحزب «بهاراتيا جاناتا» اختبارا لسياسته في عصر الصعوبات الاقتصادية. فقد تباطأ النمو الاقتصادي وكشفت الحكومة عن سلسلة من الإجراءات لتساعد في التصدي لبطء النمو. وفي أبرز تصريح حتى الآن، أعلنت وزيرة المالية «نيرمالا سيتارامان» أن معدل الضريبة الأساسي على الشركات سيتم خفضه من 30% إلى 22% للشركات التي لا تسعى إلى أي إعفاءات. وكان لهذا التصريح تأثير مباشر على بورصة «مومباي» التي ارتفع مؤشرها بنسبة 4.5%. وبالنسبة للشركات الصناعية الجديدة، فقد تم خفض معدل الضرائب من 25% إلى 15%. والإجراء ينظر إليه كمسعى لتغيير قواعد اللعبة لأن الضريبة على الشركات في الهند أقل من كثير من الدول الأخرى مما سيجعل الدولة الواقعة في جنوب آسيا أكثر تنافسية للاستثمار الأجنبي. ومازال يتعين علينا الانتظار حتى نرى إذا ما كان الناخبون يشعرون أن السياسات الاقتصادية للحكومة تجدي نفعاً، وإذا ما كانت حكومة الحزب الحاكم تمضي في الطريق الصحيح.
وإذا كان حزب «بهاراتيا جاناتا» يختبر قدرته على إقناع الناخبين في هذه الانتخابات، فإن حزب «المؤتمر» يواجه واقعاً مزرياً. فلم يتعاف بعد الحزب العتيق من خسارته في الانتخابات العامة في مايو. والواقع أن حزب «المؤتمر» يشهد اضطرابات منذ أن خسر الانتخابات العامة لمرات متوالية. فقد حصد 44 مقعدا من 542 مقعدا في الغرفة الصغرى في البرلمان في الانتخابات السابقة أمام فوز ساحق لحزب «بهاراتيا جاناتا» بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي الذي حصد 303 مقاعد.
وبعد هزيمة حزب «المؤتمر الوطني» استقال رئيسه راؤول غاندي من منصبه متحملاً المسؤولية الأدبية عن خسارة الحزب. والهزيمة الانتخابية فاقم التناحر الداخلي بين القيادات القومية وعلى مستوى الولايات للحزب. ولم تتوصل القيادات إلى اتفاق في الآراء حول زعيم جديد يقود الحزب إلى المكانة السياسية اللائقة به ويخلصه من صورة الحزب الضعيف. واعتمد الحزب دوما تقريباً في قيادته على أسرة نهرو-غاندي التي حققت مكاسب انتخابية كثيرة وقدمت إلى الهند ثلاثة رؤساء وزارات وهم «جواهر لال نهرو» و«انديرا غاندي» و«راجيف غاندي». وبعد أن عجز الحزب عن اختيار زعيم جديد، عاد الحزب إلى «سونيا غاندي» التي توارت عن الأنظار بسبب ضعف صحتها ونقلها قيادة الحزب إلى ابنها.  لكن لا نعرف إذا ما كان «حزب المؤتمر» سيعيد تنظيم صفوفه ليستعيد غابر مجده. وحزب «المؤتمر» في هذه المرحلة يحتاج حقا إلى نوع ما من الانتصارات. فالحزب يواجه أزمة وجود ولم يستطع الاحتفاظ بالسلطة.
وانتخابات المجالس التشريعية في «هاريانا» و«ماهاراشترا» ستوضح مدى قدرة «حزب المؤتمر» على الصعود من جديد كحزب معارضة قوي. وستكشف الانتخابات أيضاً عن مدى تأثير المشكلات الاقتصادية- من البطالة إلى بطء النمو الاقتصادي- على مستقبل حزب «بهاراتيا جاناتا». وستوضح بالتأكيد إذا ما كانت فترة الوئام السعيد بين مودي والناخبين ما زالت مستمرة أم أنها انتهت.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي