يبدو أن المجتمع الدولي، ممثلاً في هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن من جانب والولايات المتحدة وحلفائها الغربيين والمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي الأخرى ودول العالم ذات العلاقة من جانب آخر، لا يزال يتعرض للإرهاب الإيراني الذي تمثل في العديد من الممارسات العدائية منذ شهر يوليو 2019.
ما تستطيعه الأطراف المشار إليها هو احتواء المخاطر التي تتعرض لها الدول المستهدفة مباشرة من إيران، وفي هذه الحالة دول مجلس التعاون الخليجي المنتجة للنفط والمصدرة له، وذلك من أجل حمايتها من خطر محدد قادم من دولة مارقة بعينها وهي إيران.
ولكي تتمكن الدول المعنية بالذات من القيام بذلك، وهي المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية ودول المجلس الأخرى يتوجب عليها أن تناضل لفهم العقلية الفارسية المعقدة وطريقة تفكيرها في إدارة شؤونها، وأن تحاول بقدر الإمكان عزلها التام عن المجتمع الدولي، وبالذات الأطراف التي تمنحها الدعم والتأييد الذي تحتاج إليه ويساعدها على الاستقواء والتنمر.
وفي سياق ذلك على المملكة والولايات المتحدة أن يكون لديهما الصبر والأناة والتروي حيال اتخاذ القرارات المصيرية، فإرهاب الدولة الذي تمارسه إيران حالياً لن يختفي من المشهد سريعاً، وقد يتكرر ما حدث من ضرب لابقيق وخريص وخطف للناقلات والتوغل في سوريا واليمن والعراق، وهذا كله في ظل احتلال إيران لجزر دولة الإمارات الثلاث (طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبوموسى)، وهذا النهج لن يتوقف طالما أن إيران لم تردع وتوقف عند حدها بالطرق المناسبة، سلمية أو غيرها.
الدول عادة ما تقع تحت ضغط شديد للرد السريع على ما تتعرض له من جرائم إرهاب الدولة والاعتداء المباشر عليها من قبل الأعداء الخارجيين، وعادة ما يكون الرد المطالب به هو الرد المسلح العنيف والمباشر والعاجل، لكن ما أعتقده في الحالة الإيرانية التي أمامنا هو أن مثل هذا الرد ربما لا يشكل الحل الأمثل الدال على النجاح طويل الأمد ضد الإرهاب الإيراني.
وينطلق طرحي هذا من أن محدثكم قد يكون من الدارسين العرب القلائل المتابعين لما يجري في الداخل الإيراني وللممارسات الإيرانية غير العادلة وغير المنصفة لدول العالم العربي بشكل عام ولدول الخليج العربي العربية بشكل خاص، ومن القلائل الذين فهموا العقلية الإيرانية الشوفينية في معاملة العرب، وذلك منذ قيام الثورة الخمينية عام 1979 وإرهاصات ما قبل ذلك بقليل في عامي 1977 و1978.
لذلك، فإن الفكرة الشائعة بأن أصحاب العمائم الذين يرتدون عباءة الإسلام، هم في الحقيقة فرس يحملون عداءً متأصلاً تجاه العرب هي فكرة صحيحة، وهم لديهم أهداف يحاولون تحقيقها في بلاد العرب محورها الهيمنة والاستعلاء، وربما التشفي التاريخي لانتصار العرب عليهم في زمن الفتوحات الإسلامية الأولى لبلاد فارس، لكن في ظل منظومة من الظروف المعاصرة هم يعيشون الآن وهماً يتمثل في أنهم قادرون على تحقيق أي هدف يشاؤونه، وهذا نابع من وجود مجموعة من الخصائص غير الطبيعية في عقليتهم التي تميزهم عن غيرهم من أمم الأرض، وهي الفكرة «المانوية»، وهي فكرة قديمة تعود تسميتها إلى شخص فارسي اسمه «ماني» عاش في ما بين عامي 216 للميلاد و274 للميلاد، دعا إلى الإيمان بعقيدة فلسفية ثنائية قوامها الصراع بين النور والظلام.
لذلك، فإن أية مسألة في تفكير الإيرانيين تقوم على هذا المبدأ والمسائل إما أن تكون سوداء أو بيضاء ولا يوجد لون آخر بينهما.
وضمن ذلك، فإن من يتعامل معهم من الدول، إما أن يكون عدواً خالصاً أو صديقاً خالصاً، وهذا فكر عقيم وبائد لأن المسائل في السياسة بين الدول غير ذلك تماماً، ولها ديدنها ومسالكها ودروبها، ونحن لا نشك لحظة بأن الإيرانيين لا يفقهون ذلك أو يعونه، لكن عقليتهم المتشددة وفكرهم المتطرف يملي عليهم غير ذلك ويجعلهم يتخذون مواقف غير عقلانية وغير منطقية في تعاملاتهم مع الخارج... وللحديث صلة.
*كاتب إماراتي