لم أنس قط رسماً كاريكاتورياً سياسياً ظهر أثناء التحقيق في فضيحة «ووترجيت»، حيث صوّر هذا الرسم العلاقة الغريبة التي تربط المسيحيين الإنجيليين بالرئيس «ريتشارد نيكسون»، ويوضح لي اليوم الطريقة التي تتعامل بها المجموعة الحالية من الدعاة اليمينيين مع الرئيس دونالد ترامب.
كان الرسم يتكون من سلسلة من ثمانية مربعات منفصلة. ويظهر في خلفية كل مربع نيكسون وهو يتحدث في الهاتف. وفي مقدمة كل مربع صورة لداعية مسيحي إنجيلي بارز. في المربعات السبعة الأولى، يظهر نيكسون وهو يأمر بتفجير كمبوديا، وغزو لاوس، ومراقبة المعارضين السياسيين، وانتقاد مزايا الرعاية الاجتماعية للفقراء، إلخ. وفي أول سبعة مربعات، يظهر الداعي في المقدمة وهو يقول «الحمد لله، هذا حقاً رجل يحبه الله».
وفي المربع الثامن من الرسوم، نجد نيكسون يتحدث هاتفياً، مستخدماً اللغة البذيئة والمبتذلة التي ظهرت في شرائط البيت الأبيض التي أجبر على تسليمها للجنة التحقيق في مجلس الشيوخ. وفي هذا المربع، وعند سماع اللغة البغيضة لنيكسون، يبدو الداعية مصدوماً ويقول «زلة أخلاقية».
وما أعجبني في هذا الكرتون، هو أنه صور الإفلاس الأخلاقي الذي ميّز علاقة اليمين الديني بنيكسون. فهو يمكنه أن يغزو ويقصف بلداناً أخرى، ويستخدم النابالم في القرى المدنية، ويلغي البرامج الفيدرالية للمحتاجين، وينكر الحقوق المتساوية لمجموعة كاملة من الأميركيين ومع ذلك يحتضنه الدعاة «اليمينيون»، لأنه يدعم أجندتهم الاجتماعية المحدودة، ويناصر الحب الأعمى لمجموعة من القيم الوطنية التي تهدف إلى إنشاء هوية أميركية جماعية والتي يدافعون عنها. إنهم حتى لم ينفصلوا عنه عندما ألقت قوات إنفاذ القانون القبض على بعض عملائه الذين اقتحموا مقر الحملة الانتخابية لمنافسه «الديمقراطي»، ثم كذب بشأن ذلك أمام الكونجرس وفعل كل ما في وسعه لعرقلة التحقيق. ولكن عندما أجبر البيت الأبيض على الإفراج عن محادثات نيكسون المسجلة سراً، والتي أظهرت ولع الرئيس «باللغة الملونة» - كان ذلك هو «القشة التي قصمت ظهر البعير».
وبينما كانت المسألة المعنية هي لغة نيكسون، فإنها فتحت الباب أمام تمزق أعمق، سمح للمسيحيين اليمينيين بالانضمام إلى الجوقة المتنامية من الأميركيين -«الديمقراطيين» و«الجمهوريين» على حد السواء- الذين أدركوا أن نيكسون قد أساء استخدام منصبه الرئاسي والذين كانوا يطالبون بعزله.
هناك أوجه تشابه مثيرة للاهتمام بين علاقة نيكسون بـ«اليمين الديني»، والطريقة التي احتضن بها نظراؤهم الرئيس دونالد ترامب. فهم يقولون إنهم يدعمونه لأنه وعد وأوفى بالكثير من أجندتهم الاجتماعية المحافظة. فقد عيّن قضاة فيدراليين يعتقدون أنهم يعارضون الإجهاض وزواج المثليين. وتعهد بإلغاء العقوبات المفروضة على الكنائس المعفاة من الضرائب التي تشارك في النشاط السياسي الانتخابي. وحذر من أخطار السماح للعديد من اللاجئين المسلمين بدخول أميركا. كما يُنظر إليه كمدافع قوي عن إسرائيل، حيث ذهب إلى أبعد من ذلك ونقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس - وهي خطوة يعتبرها بعض الإنجيليين ضرورية لجلب ما يصفونه بـ «الأيام الأخيرة»، التي طال انتظارها.
ولهذا، فقد تجاهلوا أو غفروا سلوك ترامب غير المثالي والسياسات غير المسيحية: زيجاته المتعددة، واستخدامه العلني للغة فاحشة ومبتذلة، وسياساته الخاصة بفصل الأسر ومنع دخول اللاجئين وطالبي اللجوء. وبالرغم من كل هذا وأكثر، وقف اليمين الديني إلى جانب ترامب، مستخدماً أحياناً لغة مفرطة لوصفه، والتي أشارت إلى ترامب باعتباره «مرسل من السماء» و«هدية من الله».
وفي الأسبوع الماضي، شهدنا أول تصدع في هذا الدعم «لرئيسهم»: قرار ترامب بإنهاء مهمة القوات الأميركية في سوريا والسماح بالغزو التركي لشمال شرق سوريا. وبينما يقول الأتراك إن هدفهم هو إنشاء «ممر آمن» يسمح لهم بإعادة توطين اللاجئين السوريين الذين دخلوا تركيا بالقوة، إلا أنهم يستهدفون أيضاً الميليشيات الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة - والتي تشير إليهم تركيا على أنهم «إرهابيون».
وكان رد «اليمين الديني» هو الغضب والإدانة - وركز بالتحديد على اهتمامهم المعلن بحقوق المسيحيين. وقال أحد الدعاة اليمينيين: «إن المسيحيين الأكراد (وغيرهم من الأكراد الشجعان) دافعوا عن الولايات المتحدة وعن الحرية والكرامة الإنسانية... وما الذي يواجهونه الآن من تركيا المستبدة بزعامة أردوغان هو أمر مرعب تعجز الكلمات عن وصفه». ودعا آخر أتباعه «للصلاة من أجل المسيحيين الذين يحميهم الأكراد. وأعلن «بات روبرتسون»، المعروف بنبوءاته عن «الأيام الأخيرة»، أن الرئيس ترامب في خطر «فقدان تفويض السماء».
لا أحد يمكن أن يلوم منتقدي قرار ترامب الأخير، لأنه يمثل خيانة للحلفاء والتصعيد الخطير للحرب باهظة التكلفة بالفعل في سوريا. وسيخلق هذا موجة جديدة من النازحين، وبالنظر إلى سجل تركيا، فإن إعادة التوطين القسري للاجئين في سوريا سيأتي بتكلفة بشرية هائلة بالنسبة لأولئك الذين يتم إعادة توطينهم قسراً، وهؤلاء الذين سيتم تطهيرهم لإفساح المجال أمام إعادة التوطين. لكن الطريقة التي فهم بها المسيحيون هذه القضية واستخدموها كسبب لانفصالهم عن الرئيس غير مقنعة.
عندما بدأ الرئيس بوش غزو العراق عام 2003، مما عرّض المسيحيين في البلاد للخطر، كانوا صامتين. وعندما حدث تطهير عرقي واسع النطاق خلال الحرب الأهلية العراقية، مما أدى إلى نزوح ما يقرب من ثلثي المسيحيين العراقيين، لم يقولوا شيئاً. في الواقع، فإنهم لم يتعاملوا مع هذا الأمر بجدية إلا عندما بدأ «داعش»، خلال فترة ولاية أوباما، هجومه على المسيحيين والأقليات الأخرى. وكانوا صامتين عندما منع ترامب اللاجئين السوريين والعراقيين من دخول الولايات المتحدة، وكان الكثير منهم مسيحيين. وعندما قامت إدارة ترامب مؤخراً بترحيل المسيحيين العراقيين إلى العراق، لم يكن هناك غضب من «اليمين الديني».
والسؤال هو، لماذا الآن؟ هل سيتسبب انقسامهم حول هذا الشأن في إعادة النظر في جميع سلوكيات وسياسات الإدارة الأخرى غير المسيحية؟ هل هو انتقاد لمرة واحدة أم سيكون «القشة التي قصمت ظهر البعير؟».
*رئيس المعهد العربي الأميركي -واشنطن