مع ظهور هذه الكلمات للنور تكون ثورة اللبنانيين قد دخلت أسبوعها الثاني، وسط مشهد لم تألفه معظم مدن لبنان الكبرى، حيث أطياف وأطراف الشعب اللبناني على الطرقات يحملون علم لبنان ولبنان فقط، ولا شعار لهم إلا انتقاد أوضاع، لا توفر لهم ما ينشدونه من كرامة، قبل لقمة العيش لجماهير عاملة كادحة تأمل أن يعود لبنان إلى سابق عهده، من عزة نفس ووحدة مصير، وحرية قرار من دون ارتهان إلى الآخر.
مشاهد عديدة يمكن للمرء أن يتوقف عندها في هذا الحراك الشعبي اللبناني غير المسبوق منذ عام 2005، وذلك حين أصر الشعب العنيد على رحيل القوات السورية من بلاده، واليوم يكاد يشابه الأمس في بعض ملامحه ومعالمه.
تقتضي الحقيقة منا الاعتراف بانه لا توجد دولة في العالم تعيش الوضع الذي يعرفه لبنان، حيث هناك دولة وجيش وطني يقوم على صون الأمن والأمان، والدفاع عن حدود البلاد، وهو الدور الراسخ في كافة دساتير العالم للجيوش الوطنية، وعلى الجانب الآخر توجد ميليشيا غير وطنية، باعتراف سيدها الذي أقر على العلن بتلقي التمويل الخارجي، وميليشيا أدخلت اللبنانيين في متاهات سياسية وعسكرية، دفع اللبنانيون أكلاف غالية لها، من غير أن يكون هناك داع لدفع لبنان في طريق الهاوية.
ولاء «حزب الله» في الحقيقة المرة ليس للبنان، وهذه دائماً وأبدًا كارثة الأنظمة الدوجمائية، كما رأينا من قبل في جماعة «الإخوان» في مصر، وقد صرح مرشدهم مهدي عاكف ذات مرة بأنه يقبل أن يحكمه فلبيني ينتمي لـ«الإخوان»، عن أن يحكمه مصري علماني أو ليبرالي.
الولاء كله بالنسبة للسيد حسن نصر الله، ولمن لف لفه موجه للخارج، وتسخير لبنان، في مزاعم وشعارات واهية جوفاء لم يعد أحد يصدقها، ولا تنطلي على عاقل من عينة القول بتحرير فلسطين واستنقاذ القدس.
الفارق الكبير بين الدور الوطني البناء للجيش اللبناني، ودور الطابور الخامس الهدام لـ«حزب الله» تجلى في مشاهد مظاهرات الأيام القليلة الماضية، فقد رأينا حرص قوات الجيش اللبناني ومنتسبيه لجهة تأمين المتظاهرين السلميين، والحذر والانتباه الكاملين من أن ينخرط فيما بينهم عناصر الشغب المعروفة بهدف إفساد القيمة والرمز لتلك التظاهرات التي تجاوز سقف مطالبها الإصلاح الاقتصادي، ووصل إلى حد المطالبة بحكومة انتقالية تنتشل البلاد من وهدة الفشل التي وصلت إلى قاعها.
عطفاً على ذلك فقد أبدى الجيش اللبناني تفهمه الواضح جداً لمطالب المتظاهرين، وليس سراً القول إن هناك أصوات كثيرة بين اللبنانيين طالبت بتسليم السلطة إلى الجيش اللبناني، ما يعني أن هناك ثقة كبرى من جانب المواطنين في نزاهة قادة المؤسسة العسكرية، بخلاف النخبة النهبوية من بعض السياسيين اللبنانيين.
ما الذي فعله «حزب الله» خلال الأسبوع الماضي؟
لم يحظ لبنان واللبنانيون إلا بخطاب مليء بلغة الغطرسة والاستعلاء، بل والتهديد والوعيد، وكأن نصر الله الحاكم الأوحد، والسيد الذي لا ينازع، والمتوعد بمحاكمة من يستقيل من الحكومة.... أي منطق عدائي هذا؟
فيما بعد حاول «السيد» وبعض شركائه إثارة الذعر بين المتظاهرين من خلال حركة الدراجات النارية التي تجوب المدن اللبنانية، غير أن حسم وحزم الجيش اللبناني وضبطه للأعصاب فوّت على جماعة «حزب الله» تحويل المشهد اللبناني من انتفاضة سلمية إلى مصادمات بشرية تسيل فيها الدماء.
في هذا السياق يذكر للمتظاهرين اللبنانيين حرصهم الشديد على سلمية تظاهراتهم، والحفاظ على الممتلكات سواء العامة للدولة أو الشخصية للأفراد، بل أكثر من ذلك فان لبنان بمسحته الثقافية، ولمساته الفنية والأدبية، وأريحيته الحضارية بدا واضحاً من خلال وجوه باسمه وضاحكة وربما راقصة، وجوه تعبر بعمق عن حب الحياة وكراهية الشر والموت.
هل سيصمت «حزب الله» طويلاً في مواجهة لبنان المنتفض على المحاصصة الطائفية والتبعية السياسية؟
المؤكد أن الجميع يراقب المشهد ومسؤولي الأمم المتحدة داخل لبنان يحذرون من إخراج الحراك اللبناني عن سلميته، والجميع يتحسب للحظة جنون يعاد فيها ترويع الآمنين اللبنانيين كما جرى منذ فترة حين انتشر رجالات حزب الله بالسلاح في بيروت، غير أنه يغيب عن ناظريّ «نصرالله» هذه المرة أن مواطنين من الضاحية الجنوبية ومن أماكن سيطرة حركة أمل ينخرطون في التظاهرات مع عموم المواطنين ضد إرادته؟ صحوة الأرز نهاية «حزب الله» الأيديولوجية لبنانيا.
*كاتب مصري