أحيت الانتخابات البريطانية المقبلة جدلاً سياسياً واقتصادياً اعتبر الكثيرون أنه أصبح محسوماً منذ عقود، وهو ذلك الذي يلخصه التساؤل: هل ينجح التأميم؟
لقد تعهد «حزب العمال» المعارض بوضع السكك الحديدية والمياه وتوزيع الطاقة والخدمات البريدية وشركة «بي تي جروب» للاتصالات.. تحت سيطرة القطاع العام. والهدف من ذلك التوجه (وقد صدم المستثمرين) هو تغيير موجة الخصخصة التي أطلقتها حكومة المحافظين، بزعامة مارجريت تاتشر، في ثمانينيات القرن الماضي.
وبينما تشير استطلاعات الرأي إلى أنه من غير المرجح أن يفوز حزب العمال في الانتخابات المقرر إجراؤها في 12 ديسمبر الجاري، والتي تتركز بشكل كبير على بريكست، فإنها تظهر أيضاً ميل الجمهور إلى الاتفاق مع زعيم الحزب «جيرمي كوربين». فهم يرون خدمة سكك حديدية رديئة، على الرغم من ارتفاع الأسعار بشكل سريع، وبطء سرعات الإنترنت ووصولها بشكل محدود إلى المناطق النائية، والأداء الفوضوي للبريد الملكي بعد بيعه للقطاع الخاص. وعلاوة على ذلك، لا يبدو أن المملكة المتحدة لديها خدمة أفضل في هذه القطاعات من البلدان الأوروبية الأخرى ذات الملْكية العامة الأوسع نطاقاً.
وقالت «لوري ماكفارلين»، من معهد «يو سي إل» للابتكار والأغراض العامة، إنه «من المهم أن نتراجع وندرك كم هي غير عادية في المملكة المتحدة». وأضافت أن وجود صناعات مثل المياه والبريد في أيدي القطاع العام، هو «بكل تأكيد أمر عادي في الديمقراطية الاجتماعية في شمال أوروبا».
ومع ذلك، فقد تم الاستيلاء على خطط كوربين من قبل حزب المحافظين الحاكم برئاسة رئيس الوزراء بوريس جونسون، كمثال على عدم ملاءمة حزب العمال للحكومة. كما أثاروا فزع مجموعات الأعمال والمدافعين عن السوق الحرة، الذين ربما اعتقدوا أن هذه المناقشة قد تم حسمها منذ فترة طويلة.
وقال «ماثيو ليش»، رئيس قسم الأبحاث في «معهد آدم سميث»، إن الصناعات المؤممة «ليست مكلِّفة للغاية فحسب، ولكنها أيضاً تقدم لعملائها خدمات ذات نوعية سيئة للغاية. وهي لا تحصل على الاستثمارات اللازمة من الحكومة لتحديثها».
وقد ركز جزء كبير من الخطاب، خلال الحملة الانتخابية، على تكلفة خطط كوربين، بدلاً من جدواها الاقتصادية.
ويقدر اتحاد الصناعات البريطاني تكلفة عملية التأميم بنحو 200 مليار جنيه (258 مليار دولار)، مقابل 50 مليار جنيه وفقاً لتقدير جامعة جرينتش. وذكرت دراسة أخرى أن التكلفة ستُسترد في غضون سبع سنوات، بفضل المدخرات التي ستحققها والمقدّرة بنحو 7.8 مليار جنيه.
ويشير البعض إلى أن تكاليف الاقتراض المنخفضة هي السبب في أن الوقت قد يكون مناسباً لسياسة التأميم، وأن الدولة ستتلقى أصولاً قيّمة في المقابل. وبالنسبة للناس على جانبي الجدل، فإن المناقشة المستمرة للتكاليف تغيب عنها هذه النقطة. وهم يقولون إن ما يهم هو النظام الذي يخدم الاقتصاد على أفضل وجه.
وقال «جون ويكس»، من قسم دراسات التنمية بمدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن: «لا ينبغي أن يستند هذا إلى أيديولوجية. يجب أن يكون قائماً على ما إذا كان القطاع الخاص يمكنه تنفيذ النشاط المحدد بشكل أكثر فاعلية من القطاع العام».
ويعكس هذا النهج النظرية الأساسية الكامنة وراء التأميم، وهي أنه ينبغي أن تمتلك الحكومة صناعات هي احتكارات طبيعية، مثل السكك الحديدية أو خطوط الكهرباء التي لا تكون فيها المنافسة منطقية. والفكرة هي حماية المستهلكين من خلال الإبقاء على الأسعار منخفضة، أو ضمان صيرورة الأرباح إلى دافعي الضرائب بدلاً من المساهمين.
وقد دعا دستور حزب العمال إلى الملكية المشتركة للصناعة في معظم القرن العشرين، حتى قام توني بلير بتغيير البند الرابع الشهير في عام 1995.
وأثناء حديثه في مؤتمر اتحاد الصناعات البريطاني الشهر الماضي، ركز كوربين على الفوائد التي تعود على المستهلكين، قائلاً إن المملكة المتحدة «فشلت بسبب سرقة فواتير الطاقة وخدمة السكك الحديدية الرديئة». وفي يوم الاثنين، قال حزب العمال إنه سيخفض الأسعار بنسبة 33% بموجب نظام السكك الحديدية المملوك للقطاع العام. وفي خطاب ألقاه في برمنجهام الأربعاء الماضي، وضع «جون ماكدونيل»، القيادي في حزب العمال، القضية في قلب هجومه على السجل الاقتصادي لحزب المحافظين الحاكم. وانتقد كلاً من سياستهم الأخيرة والتي ترسخت بداية من مطلع الثمانينيات، مردداً ما قاله رئيس الوزراء السابق «هارولد ماكميلان»: «التربح من خلال الخصخصة وفشل المحافظين في كبح جماح الفواتير، كلّف الأسر ما يقرب من 6000 جنيه سنوياً منذ عام 2010».
ويشير المدافعون عن سيطرة القطاع العام إلى شركة المياه الإسكتلندية، وهي مثال نادر لمشغّل لا يزال مؤمماً في الصناعة وهي الشركة الأكثر موثوقية في المملكة المتحدة، وفقاً لمجموعة «نحن نمتلكها» (وي أون إت). وفي الوقت نفسه، يتم الاستشهاد بالسكك الحديدية الأوروبية وطاقة الرياح الدنماركية كأمثلة على وجود صناعات مؤممة وفعالة.
ومن ناحية أخرى، لم يكن الابتعاد عن التأميم ونماذجه على المستوى العالمي. فقد تم الرجوع عن خصخصة خدمة مراقبة السلوك ما بعد الخروج من السجن في هذا العقد، بينما عانت السكك الحديدية من تزايد سخط العملاء.

*صحفي متخصص في تغطية الأخبار الاقتصادية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»