يرتبط مستقبل وحضور المجتمعات المسلمة في بلدانها، وتقييم مدى نجاح تجربتها في كافة المجالات، والتي أهمها «التعايش» الذي تسمو به القيم الإنسانية فوق كل اعتبار، بمستوى كفاءة القطاع التعليمي فيه، إذ تعتبر عملية التكوين والتربية والتعليم، أساساً قوياً لبناء تلك المكانة المرتقبة، وأولى الأولويات التي يجب أن يؤخذ بها في المجتمعات المسلمة، ويكمن السبب في ذلك أن تحقيق الكفاءة في القطاع التعليمي يعني النجاح في اجتياز الفجوة الواقعة بين تحديات الهوية وضرورة الاندماج، ووضع الصورة السوية النقية للإسلام لغير المسلمين وقوفاً في وجه «الرهاب من الإسلام»، وإعطاء أبناء المجتمعات المسلمة البوصلة الصائبة في توجيههم لأمور دينهم، ناهيك عما تجد للتعليم من خيوط في كل قضية مراد منها التفوق والتميز، والتغلب على تحدياتها.
وبوجود الكثير من التحديات التي تواجه التعليم الإسلامي الهادف في المجتمعات المسلمة، وسعياً لصون المجهود التربوي الإسلامي المبذول على مدى عقود لإفادة أبناء المسلمين في بلدانهم، وفي ظل ما يشهده أبناء المجتمعات المسلمة من «هبّات فكرية»، ومحاولات التجاذب والاستقطاب المصلحي، فإن أفضل ما يمكن أن  يخدم ركيزتهم الفكرية المتعطشة للاستزادة، والتي تعيش بين الميل للتعايش والاستجابة للفطرة الإنسانية، والخوف على الهيكل «الهوياتي» لها، هو  تفعيل الجهود التي كرست وقدمت في مشروع تدريس الإسلام وعلومه وفقه الثوابت الشرعية ومتغيرات الواقع، والدفع بإعداد البرامج التربوية الإسلامية، الهادفة لتشييد ثقافة الطفل الإسلامية ومراعاة محيطه الاجتماعي، وكل ذلك معوز للدعم والثقة بنجاح هذا المشروع ابتداءً من أفراد المجتمعات، ووصولاً لما يقدمه «خيرة النوايا» من رؤوس الأموال الهادفة للاستثمار في مجال التعليم، وإقامة المدارس الإسلامية الخاصة بأبناء المجتمعات المسلمة، وتخصيص المنح الدراسية وتوفير المساعدة المطلوبة لمتابعة دراساتهم الإسلامية بالوطن العربي، تحقيقاً للرفع من مستواهم الجامعي والتربوي، كما هو الحال في بعض مبادرات منظمة «الايسيسكو».
ولا مجال لإغفال حقيقة السمو بالمنظومة التعليمية، التي تعني بالضرورة الرفع بالمستوى الوظيفي للقائمين عليها علمياً وعملياً، فلا غنى لأساسات التنمية البشرية، عن استثمار القدرات البشرية الناجع والمؤسس على صواب، وصولاً لأكثر مستويات الحضارة الإنسانية رقياً، وبخاصة إذا ما تم تطبيق جانب «التقييم» لتلك الكوادر بعد إعدادها المعول عليه، لتصبح المجتمعات المسلمة بمؤسساتها قادرة على أداء رسالتها بجدية دون الوقوع تحت نير «الإسلام الراديكالي»، من مساجد، ومؤسسات التعليم الإسلامية الخاصة والمراكز الثقافية.
إن للتعليم في المجتمعات المسلمة عدة مستلزمات لا يستوي النظر لأحدها دون الأخرى، فلا يمكن التشجيع على التعليم، دون وضع التجديد اللازم على مساقه الديني، والتربية الدينية خاصةً في المجتمعات المسلمة، ليقدم ضمن مناهج متخصصة مأطرة بأنامل الخبراء من المسلمين، إضافة لضرورة إيجاد مساحة أكثر رحابة لإنشاء المدارس المعنية بإعداد الأئمة والخطباء والدعاة، وإنشاء المدارس المدنية والمهنية في أوروبا، والعمل على تأسيس جامعة إسلامية، وتقديم مساعدات من قبل المؤسسات والهيئات الإسلامية الخيرية المحلية والدولية، والعمل على تأسيس مدارس وكتاتيب حفظ القرآن الكريم، ودراسة علومه وعلوم الحديث والفقه، كما العمل على وضع مناهج وبرامج لتعليم اللغة العربية وفق المنهج المعمول به.
وبالتزامن مع النظر الواعي للظروف المحيطة بالمجتمعات المسلمة، واستيعاب ضرورة النهوض بالمجال التعليمي الموجه لأبنائها من الناشئين في كافة المجالات، والقائمين على الشأن الديني، وتفادياً لأي عواقب تحاول اغتنامها الجماعات المتطرفة، من خلال هذه المجتمعات الطموحة لتحولها لبؤرة مصلحية، وبالنظر للحصيلة النهائية لمحاولات الإدماج السلبي في قطاع التعليم، والتي أدت لتذويب الهوية والتراجع بالمراكز الاجتماعية لأبناء الجيلين الثاني والثالث، نجد القوانين الناظمة والتشريعات الدولية مصدر إشعاع ونور، يسمح بعبور مشروع النهوض التعليمي في المجتمعات المسلمة.