مع انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في العالم أجمع، والخوف من إصابة الملايين من البشر بالعدوى، لدرجة أن بعض الخبراء يتوقعون أنه في الولايات المتحدة الأميركية وحدها، سيصاب بالعدوى أكثر من 100 مليون شخص، وعلى العالم أن يستعد للأسوأ إن لم يضع حداً لانتشار الفيروس، وخاصةً وقف الاختلاط بين السكان وحجرهم، لتكون حركتهم خارج المنزل مقتصرةً على تلبية احتياجاتهم الأساسية فقط، مع الالتزام باتخاذ وسائل الحماية الشخصية، والتزام المجتمع ككل بالتعليمات الصحية، وهو الأساس في ظل الأنباء التي تنتشر في العالم أجمع، حول ممارسات صحية صادمة في دول العالم ناتجة عن تزايد الإصابات، ونقص في المخزون الطبي لحماية العاملين في القطاع الطبي، وتوفير أجهزة التنفس الاصطناعي وغيرها من المستلزمات.
ولك أن تعلم عزيزي القارئ، أن دولةً عظمى مثل الولايات المتحدة الأميركية، يشتكي الممرضون والأطباء فيها من النقص الحاد في المستلزمات الطبية، لدرجة خروج الموظفين في وسائل الإعلام والشكوى من إعادة استخدام بعض وسائل الحماية الشخصية كالأقنعة مرتين، وهو مخالف للإجراءات الصحيحة لحماية أنفسهم ومرضاهم من الفيروسات، وخوفهم من انهيار النظام الصحي على الطريقة الإيطالية، التي يمارس فيها الأطباء مفهوم طب الحروب، وعلى من يبقون على قيد الحياة بمساعدة أجهزة التنفس الاصطناعي، ومن يتركونه للموت ليشغل مكانه في المستشفى شخص آخر حسب العمر والحالة الصحية.
فلا غرابة أن يظهر مفهوم «التباعد الاجتماعي»، وهو اصطلاح نحتاج إلى إعادة صياغته، وأن نعطيه من روح اللغة والمكان الذي نعيش فيه، وفقاً لأسلوب الحياة الذي نعيشه والقيم التي نؤمن بها، ولذلك فمن المفترض أن نستبدل هذا المفهوم بـ «التباعد المكاني» أو «الجسدي»، ويكون شعارنا «التباعد المكاني والتواصل الاجتماعي»، ولا سيما أن التقنيات الحديثة اليوم تسمح لنا بالتواصل الدائم بالصوت والصورة، وكذلك العمل عن بعد، وحتى طلب احتياجاتنا من غذاء وشراب وغيرها عن بعد أيضاً.
فحماية المجتمع من انتشار فيروس كورونا المستجد، أصبح اليوم مسؤولية كل فرد من أفراد المجتمع، وهم خط الدفاع الأول ضد تفشّي الفيروس، من خلال عيشهم الحياة اليومية بأسلوب مسؤول لا يوقعهم في خطر الإصابة بالعدوى، ولا يعرّض غيرهم للإصابة بالعدوى كذلك، على أن يتصرف كل شخص مع من حوله وكأنه مصاب بالفيروس، وهم كذلك مصابون، والآخرون يتصرفون معه بنفس الحذر.
ولنأخذ العبرة من الحالة (31) في كوريا الجنوبية، حيث كان عدد الإصابات مستقراً عند الرقم (30)، وبعد إصابة سيدة ستينية بالعدوى، وأصبحت الرقم (31) في عدد الإصابات حدث حادث مروري لها، لتذهب على إثره للمستشفى للعلاج، وكان لديها ارتفاع نسبي في حرارة الجسم، ونصحت بإجرائها فحص لفيروس (كوفيد-19)، ولكنها رفضت وخرجت لتمارس حياتها اليومية الاعتيادية لأسابيع، حيث زارت خلالها الكنيسة التي تنتمي إليها مرتين، كما ذهبت إلى بعض المطاعم لتقابل أصدقاء لها، وبعض المحلات التجارية، وعندما ذهبت للمرة الثانية للكشف عن سبب ارتفاع حرارتها في المستشفى، اتضح لهم أنها مصابة بالفيروس، وقد نشرته بين أكثر من 1200 شخص، وكانت شرارة العدوى التي انتقلت بين السكان لتصل اليوم إلى قرابة 9 آلاف حالة وأكثر من 100 حالة وفاة، وهي حالة كلاسيكية من عدم اتباع التعليمات، وتحمّل المسؤولية المجتمعية بالاهتمام بصحة الإنسان من غذاء وشراب وحياة صحية، وعند الشعور بأعراض المرض ينبغي البقاء في المنزل، وطلب المساعدة أو الذهاب لأقرب مركز طبي، وتجنّب التجمعات حتى العائلية منها، وإبقاء مسافة آمنة بينك وبين الآخرين حسب الإرشادات والتوصيات، وعدم الخروج في العموم من المنزل لغير الضرورة القصوى.

*كاتب وباحث إماراتي متخصص في التعايش السلمي وحوار الثقافات