تتصدر «الحرب» ضد الفيروس التاجي-كورونا، أخبار وعواجل وسائل الإعلام، فالوباء يضع كل حكومة أمام مسؤولياتها، ويدفعها نحو تكريس جهودها في سبيل تحجيم انتشاره، وحماية الأصحاء منه، وإشفاء المصابين به، فهو أحد الأوبئة العابرة للقارات، وبما أن العلاقات الإنسانية قائمة على التواصل والتفاعل -وحتى في أدنى الحدود – فإنه قادر على توسيع رقعة انتشاره، وهو ما يحذر منه مسؤولو الصحة في مختلف أنحاء العالم.
لست هنا بصدد الكتابة عن كورونا ومراحل تطوره، منذ أول اكتشاف له في ستنينيات القرن الماضي، ولا عن مصدره كذلك، لأن القلة القليلة من العلماء والباحثين ومن خلفهم أدرى وأعلم وأخبر بهذا الجانب، وإن كان يهمني –كواحد من الناس– معرفة ذلك المجهول الذي باغت البشر وقضّ مضاجعهم، وبات محور أحاديثهم ونقاشاتهم ونكاتهم وتعليقاتهم الساخرة.
صحيح أن درجة تحسس خطورة هذا الوباء تختلف من شخص إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى، لكن لا بد من الاعتراف أن البشر اليوم في سفينة واحدة، ولا منجاة لهم سوى الوعي والالتزام قدر المستطاع بما يصدره خبراء الصحة من تعليمات.
بعض الدول المتقدمة لم تولِ هذا العدو اهتماماً بالغاً في بداية انتشاره فيها، واليوم تعيش هاجساً عظيماً، إثر الخسائر التي تتكبدها وستتكبدها إن لم تتمكن من السيطرة على الوضع، كما أن أغلبية الناس ما يزالون يجهلون أو يتجاهلون أن حكومات بلدانهم لها طاقة ودرجة احتمال، وبالتالي فإن انهيار النظام الصحي فيها يعني أن الوباء سيستفحل لتصبح حياتهم على المحك فعلياً.
تأخرت أول دولة اجتاحها الوباء في دق ناقوس الخطر، لكن الوقت لم يفت وإن كان عصيباً بحق، فبمقدورنا نحن المواطنين في كل دولة أن نساند حكوماتنا في ما تقوم به، ولا يقتضي الأمر منا سوى الالتزام بالتعليمات، لأن استسهالنا بما يحدث يؤكد جهلنا، واستعظامه يمرضنا نفسياً، ولهذا علينا أن نكون متوازنين، فنعطي المسألة القدر الذي تستحق من الوعي بالمسؤوليات والالتزام بها.
إن الخروج من هذه الأزمة يحتاج إلى صبر ووعي من الأفراد، وإلى عمل جاد من الحكومات في جميع البلدان، وخاصة في تلك التي لم ينتشر فيها الوباء، ولعل الشفافية في كشف كل حكومة عن مراحل تطور انتشار الوباء سلباً وإيجاباً مهم وضروري، لقطع الطريق على الشائعات التي تعبر الحدود بـ«كبسة زر».
لقد كشف كورونا عن الكثير من «عورات» الأنظمة والمجتمعات، مثلما كشف عن إنسانية ووعي البعض أيضاً على مستوى الأفراد والجماعات ورجال الأعمال والحكومات، فثمة أفراد تطوعوا لخدمة المرضى وكبار السن الحلقة الأضعف، ومجموعات وضعت نفسها رهن إشارة الحكومات، ورجال أعمال إنسانيون يتبرعون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وحكومات كذلك مدت وتمد يد العون لحكومات أخرى، تواجه صراعاً مريراً ضد هذا الفيروس، الذي يحصد الأرواح دون هوادة في دول وجدت نفسها عزلاء في مواجهته فطلبت الغوث، مع أنها تهدر كامل إمكانياتها ومواردها في الحروب، وتترك شعوبها عارية في مواجهة أحد أشد فيروسات العصر فتكاً بالإنسان، خاصة أن ملامحه متغيّرة ونتائجه وتأثيراته لم تتضح أو لم تُعلن كلها للعامة، فعائلته كبيرة وتصيب الحيوان والإنسان.
إغلاق المنافذ الجوية والبحرية والبرية أمام الناس وحظر التجول أحياناً، أمور مفيدة لكنها ليست كل الحل، إذ لا بد من تكاتف الحكومات ورجال الأعمال والأفراد، كي لا يسمحوا للفيروس التاجي بتسميم الحياة وجوهرها.
إن أبيات الشعر التي تعبر الحدود مع المساعدات من مثل (نحن أمواج من ذات البحر) و(لدينا جبال وأنهار مختلفة لكننا نتشارك ذات الشمس والقمر والسماء)، تعيد بعضاً مما فقده العالم من محبة، لا شك أن كورونا صدمة أخرى وامتحان كبير لنا، وإلى أن يُستخرج الدواء علينا التفكير ملياً بمآلات واقعنا، فربما سيعيد هذا «الكائن الخبيث» الإنسان إلى إنسانيته.