هناك اهتمام بالغ لدى كل دول العالم بأن يكون لديها مخزون استراتيجي كافٍ من السلع الغذائية لمدة معينة، بهدف تأمين الضروري من هذه السلع في حالات الطوارئ والتقلبات غير المتوقعة، مثل الكوارث الطبيعية والهبوط المفاجئ في الإنتاج المحلي أو العالمي والمتغيرات السياسية الدولية، وانقطاع خطوط المواصلات أو الحصار بسبب الحروب وغيرها، على النحو الذي يساعد الدول على الصمود أطول وقت ممكن في ظل هذه الظروف الطارئة. ورغم أن المخزون الاستراتيجي للسلع ينصرف بشكل تلقائي في أذهان الناس إلى السلع الغذائية بالضرورة، فإنه بات أوسع من ذلك خلال المرحلة الراهنة، فهذا المخزون توسع ليشمل عدداً كبيراً جداً من السلع، بخلاف الغذائية منها، مثل الطاقة ووسائل الاتصال، وكذلك الأسلحة وغيرها.
وتضع دولة الإمارات العربية المتحدة قضية المخزون الاستراتيجي للسلع الغذائية على قمة أجندة اهتماماتها الوطنية، وتعمل قيادتنا الرشيدة كل ما في وسعها من أجل ترسيخ أمننا الغذائي، وتدعيم ركائزه الأساسية، باعتباره من أهم الأولويات. ومن هذا المنطلق، اعتمد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، القانون الاتحادي رقم 3 لسنة 2020 بشأن تنظيم المخزون الاستراتيجي للسلع الغذائية في الدولة، الذي يهدف إلى تنظيم المخزون الاستراتيجي للمواد الغذائية في الدولة في حال حصول أزمات وطوارئ وكوارث، وتحقيق الاستدامة في مجال الغذاء. وقد حدد القانون الذي تسري أحكامه على المزود والتاجر المسجل، عدداً من الالتزامات لتطبيق إجراءات القانون، كما حدد اختصاصات وزارة الاقتصاد لغايات تنفيذ أحكام القانون، التي تتمثل في اقتراح السياسات والخطط والبرامج المتعلقة بالمخزون الاستراتيجي للسلع الغذائية بالتنسيق مع الجهة المختصة وعرضها على مجلس الوزراء للاعتماد، والتنسيق مع اللجان الاقتصادية المشتركة للدول المزودة للسلع حول البرامج المتعلقة بالمخزون الاستراتيجي للسلع الغذائية، ووضع الخطط والبرامج الخاصة بحجم وكمية مخزون الأمان وما يتعلق بزيادة سعة المخزون الاستراتيجي للسلع الغذائية في حالة زيادة الطلب على السلع الغذائية على مستوى الدولة.
والواقع أن اعتماد القانون الاتحادي بشأن تنظيم المخزون الاستراتيجي للسلع الغذائية في الدولة، يعد إشارة واضحة إلى أن ملف الأمن الغذائي يشكل أولوية قصوى للقيادة الرشيدة، كما تؤكد معالي مريم بنت محمد سعيد حارب المهيري وزيرة الدولة للأمن الغذائي، أن دولة الإمارات دائماً كانت سباقة في تشريع القوانين التي تصب في مصلحة بناء مستقبل مستدام للأجيال الحالية والمستقبلية، ومنها تأمين الغذاء الصحي والآمن لكل أفراد المجتمع في كل الأوقات والظروف حتى في حالات الطوارئ والأزمات. وفي الوقت نفسه، فإن هذا القانون سيعزر مكانة الإمارات كمركز عالمي للأمن الغذائي، ويعد خطوة مهمة في تحقيق مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي.
ومما لا شك فيه أن توقيت صدور القانون الاتحادي رقم 3 لسنة 2020 بشأن تنظيم المخزون الاستراتيجي للسلع الغذائية في الدولة، الذي كان المجلس الوطني الاتحادي قد وافق عليه خلال جلسته الخامسة من دور انعقاده العادي الأول للفصل التشريعي السابع عشر، التي عقدت في 18 فبراير الماضي، يتمتع بأهمية كبيرة، حيث تتصاعد المخاوف العالمية خلال الفترة الحالية بشأن الأمن الغذائي، وتدرس بعض الحكومات تقييد تدفق السلع الغذائية الأساسية، مع اتجاه العالم بشكل متزايد نحو إجراءات عزلة عامة لمواجهة وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19)، الذي حوّل دول العالم إلى جزر منعزلة.
والحاصل أن صدور هذا القانون يحقق حزمة من الأهداف الحيوية التي تصب في سبيل تعزيز أمننا الغذائي، والمحافظة على استقرار الأسواق، كما أنه يحمل عدة رسائل مهمة: أولها، تعزيز الجهود الرامية لتوفير المخزون الاستراتيجي من السلع الغذائية وفق أعلى المعايير المتبعة دولياً. ثانيها، طمأنة جمهور المستهلكين بتوافر المخزون السلعي الاستراتيجي طويل الأمد. ثالثها، الحيلولة دون حدوث عمليات تلاعب أو استغلال من جانب التجار أو الباعة، من خلال ما تضمنه القانون من عقوبات رادعة.
* عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.