تبدو هيلاري كلينتون، التي بدأت العمل بالسياسة في سن صغيرة، وكأنها تعلمت شيئاً من «ميشيل أوباما»، التي لم تترشح إطلاقاً لتولي منصب عام. فقد ردت هيلاري بثلاثة ردود رائعة خلال المناظرة التي جرت مساء الأربعاء، حيث كانت تلك الردود مختلفة تماماً عن الكليشيهات المعتادة. وكانت هذه الردود تتعلق باعتداءات ترامب المزعومة على النساء، ورفضه احترام العملية الديمقراطية والتناقض بين سنوات خبرته «كشخصية شهيرة في مبتدأ حياته»، وبين خبرة هيلاري في الحكم. وقد أدلت هيلاري بردودها ببطء وبطريقة لا تنم عن اهتمام، لكنها اتسمت بالأخلاق والوضوح والازدراء الهادئ. كما أنها لم تدلِ بهذه الإجابات من وجهة نظر شخصية سياسية، بل من وجهة نظر أم، وهي وجهة النظر التي تستخدمها «ميشيل أوباما» في كثير من الأحيان. فالسياسي يسأل: ما الذي يمكنني تقديمه لكسب الأصوات؟ أما الأم فتسأل: ما هو العالم الذي سيخرج إليه أبنائي عندما يغادرون المنزل؟ إن السياسي يركز على المصلحة الفردية، أما أحد الوالدين فيكون مهتماً بالبيئة الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية المشتركة. وهذا يتحول لأن يكون إطاراً مفيداً لهذا العالم القبيح. فقد أضحى من الأكثر وضوحاً أن رأس المال الأخلاقي للبلاد يتعرض للهلاك، والتحدي الملح يكمن في تحديد مصدر هذا الهلاك وتقويضه. والرصيد الأخلاقي هو عبارة عن مجموعة من العادات والأعراف والقيم التي تجعل الحياة المشتركة ممكنة. ونحن بني البشر لدينا قدرة عجيبة على الأنانية. وطبيعي، أن الصراع على السلطة يميل لأن يصبح همجياً. لذا فإن الناس في المجتمعات المختلفة يتفقون على الكثير من القيود غير الرسمية، قوانين للأدب والتواضع والاحترام المتبادل الذي يحد من الأنانية ويوجهنا نحو المصالحة. وفي هذا العام، يقوم ترامب بتفكيك هذه القيود واحداً تلو الآخر. ومن خلال مهاجمة نظرات «كارلي فيورينا» وزوجة «تيد كروز» بوحشية، فإنه يفكك قواعد الإتيكيت التي تمنع السياسة من أن تصبح مباراة غير منظمة للصراخ. ومن خلال الكذب كثيراً أو قليلاً طوال الوقت، فهو يفكك الإخلاص لقول الحقيقة التي بدونها يكون النقاش مستحيلاً. ومن خلال رفضه أن يحترم تلقائياً نتائج الانتخابات، فهو يجعل الثقة في مؤسساتنا تتآكل، ويخاطر بتحويل الحياة العامة إلى عراك لا ينتهي. وقد ساهمت هيلاري في هذا التدهور أيضاً. وكما تذكرنا لقطات الفيديو لـ«جيمس أوكيفي»، حيثما كانت هيلاري تذهب في حياتها المهنية، فإن سحابة من الأشخاص الكريهين والسلوك البغيض كانت تصاحبها. لكنها محقة في التأكيد على أن ترامب هو أكبر تهديد للرصيد الأخلاقي في التاريخ الحديث، وأن صحة هذا الرصيد هي أكثر أهمية من أي موقف سياسي معين. والحقيقة المحزنة هي أنه في خضم الحياة المشتركة، يستطيع البعوض أن يقوض عمل العمالقة. وكما كتب «جوناثان هايدت» في كتابه «عقل الصالحين»، فـ«إن المجتمعات الأخلاقية هي مجتمعات هشة، صعبة البناء وسهلة الهدم». وقد أضاف: «عندما نفكر في مجتمعات كبيرة جداً مثل الدول، فإن التحدي يكون غير عادي، ويكون التهديد بحدوث فوضى أخلاقية كبيراً». نحن الآن في دولة يستطيع فيها المرشحان الرئيسيان للرئاسة الاستهزاء بمضيفيهم. نحن الآن في مجتمع تستطيع فيه الرغبات الطفولية لشخص أناني إهانة الميراث الذي خاطر «واشنطن» و«هاميلتون» بحياتهما من أجل توريثه. نحن الآن في مجتمع حيث إهانة أصول اللياقة لا تكون سبباً في عدم أهلية شخص ما. ومن الواضح أن لدينا مهمة ضخمة تتمثل في الإصلاح الأخلاقي. وهذا يبدأ بالتخلي عن أسلوب ترامب. وهناك درس كبير في 2016 وهو أن هذا يمكن فقط أن يحدث إذا راقب الناس أعضاء حزبهم. وإذا كان هناك شخص ما يدمر النسيج الاجتماعي والأخلاقي من خلال الخطاب المتهجم والسلوك المعادي للنساء، فإنه لا يهم حقاً أنه يتفق معك فيما يتعلق بالضرائب والمحكمة العليا، هذا الشخص يجب التخلي عنه وإلا سيجر المجتمع بأسره إلى مستوى من التدهور تستحيل معه السياسات اللائقة. وهذا يعني أيضاً معالجة التصدعات الاجتماعية التي تغذي صعود ترامب. من الواضح أنه سيكون لدينا الكثير من الشعبويين الغاضبين في السنوات المقبلة، من اليمين ومن اليسار على حد سواء. ويجب أن يكون من الممكن معارضتهم من خلال حركة سياسية تدعم الديناميكية مع التماسك والعولمة مع التضامن، وهي حركة تؤيد التجارة الحرة، وفتح الهجرة أمام المهرة، والتنوع العرقي، ونظام عالمي جديد بقيادة أميركا، علاوة على بناء المجتمع المحلي، والأمن الاقتصادي الذي تعززه البلاد والتماسك الأخلاقي والغرض الوطني. وبعبارة أخرى، يجب أن يكون من الممكن أن تكون محافظاً فيما يتعلق بالاقتصاد الكلي وليبرالياً فيما يتعلق بسياسة الهجرة وتقليدياً فيما يتعلق بالأمور الأخلاقية والمدنية، وسويدياً فيما يتعلق بسياسات دولة الرفاه، وريجنياً فيما يتعلق بدور أميركا في العالم. ديفيد بروكس كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»