قمتُ مؤخراً بزيارة إلى العديد من الجامعات، حيث سألت طلابها عن رؤيتهم للعالم. معظم الطلاب الذين التقيتُهم يدرسون بجامعات تتمتع بقدر كبير من التنافسية مثل هارفارد، و«يل»، وجامعة شيكاغو، وديفدسون. وبالتالي، فهذه شريحة صغيرة من الجيل الصاعد، غير أن تعليقاتهم كانت مذهلة جداً. أول شيء يمكن قوله هو إن هذا جيل توقعاته محدودة. فالتجارب التي عاشوها تشمل حرب العراق، والأزمة المالية، وعنف الشرطة، ودونالد ترامب. إنها سلسلة من اللحظات التي فشلت فيها المؤسسات الكبيرة في توفير الأمن والكفاءة والمحاسبة. «إننا جيل إطلاق النار في المدارس»، هكذا قال لي طالب بجامعة هارفارد.لقد وجدتُ ثقة قليلة جداً في المنظمات الكبيرة. فهذه شابة من جامعة «يل» تقول: «إنني لا أومن بالسياسيين لأنهم فاسدون. ولا أومن بالمثقفين لأنهم فاسدون». وسألتُ مجموعة من الطلبة من نحو 30 بلداً عن أيهم يعتقد أن الأشخاص الذين يديرون بلدانهم يتمتعون بالكفاءة عموماً، فرفع شاب واحد فقط، من ألمانيا، يده. وقال طالب من هارفارد، ملخصاً الوضع العام الكئيب بهذه الكلمات: «إن عهد آبائنا الطوباوي يقابله عهدنا البئيس نحن». هذا لا يعني أن الطلبة يائسون وفقدوا الأمل، ذلك أنهم ينذرون حيواتهم للتغيير الاجتماعي. وكل ما هناك أنهم يجدون صعوبة في تسمية مؤسسات تشتغل على نحو ناجح . عدد منهم قالوا إن إيماناً كبيراً كان لديهم في القطاع التكنولوجي في الماضي، ولكنهم فقدوا معظمه الآن. وقال أحدهم متأسفاً: «إن استراتيجية «احتلوا وول ستريت» مثلت فشلاً ذريعاً لدرجة أنها تركت الجميع يشعر بالاستياء وخيبة الأمل». وأضاف آخر قائلاً: «ليست لدينا حقيقة مشتركة. ليست لدينا مجموعة مشتركة من الحقائق». التيمة الكبيرة الثانية كانت فقدان الثقة في الفكرة الأميركية. وفي هذا السياق، أخبرتهم أنه عندما ذهبتُ إلى المدرسة العمومية، كان منهاج التاريخ الأميركي ليبرالياً بكل تأكيد، ولكن الشعور الغالب كان الامتنان. ذلك أننا كنا الورثة المحظوظين لشخصيات أميركية عظيمة من أمثال جيفرسون وماديسون وويتمان ولينكولن والرئيسين روزفلت وكينيدي وكينغ. وأسلافنا فروا من الاضطهاد، وعبروا البراري، ويحاولون بناء الأرض الموعودة. فنظروا إليّ كما لو كنتُ قادماً من كوكب آخر، وقال أحد الطلاب: «تلك هي الطريقة التي يتحدث بها الذكور البيض عن أميركا!». وعندما سألتهم حول كيف يتم تعليمهم التاريخ الأميركي، قال لي بعضهم إنهم لا يعلَّمون معظمه. «في التعليم الذي تلقيته في المدرسة الثانوية، كانت الثورة الأميركية خطأ»، تقول إحدى الشابات. هذا في حين أكد طلبة آخرون أن القصة الأميركية هي في معظمها قصة اضطهاد وذنب: «في مرحلة ما يدرك المرء أن الولايات المتحدة هي هذا المكان غير المثالي»، «ليس لدي شعور بالفخر كوني أميركياً». هذا في حين لا يرى آخرون هوية أميركية مطلقاً: «إن الولايات المتحدة ليست لديها ثقافة موحدة على نحو ما هو موجود في بلدان أخرى». ثم طلبتُ منهم تسمية التحدي الأبرز بالنسبة لجيلهم، فأشار عدد منهم إلى تراجع الدولة- الأمة والتهديدات المحدقة بالديمقراطية. هذا في حين أشار آخرون إلى التفاوت الاجتماعي وتغير المناخ. وقالت امرأة من جامعة شيكاغو: «إن أميركا تشهد إعادة تفاوض حول شروط من هو القوي». وبعد ذلك، سألتُ الطلبة حول عملاء التغيير الذين يثقون فيهم، فكانوا يشيرون دائماً تقريباً إلى شخص محلي، بعيد عن المركز، وموجود على الميدان – معلمون ونشطاء المجتمع المدني. وفي هذا الإطار، قالت امرأة من ستوكتون، كاليفورنيا، إنها تأمل العودة إلى هناك. هذا في حين احتفت امرأة من المغرب بالنشطاء المحليين غير المتعلمين الذين يشتغلون وليس لديهم ما يخشونه. فهم يكافحون من أجل الأساسيات وحسب – التعليم، والرعاية الصحية، والطعام. وقالت امرأة من شيكاغو: «إننا نريد عملاء تغيير يشبهوننا. إننا نريد رؤية أنفسنا ننقل البلد إلى الأمام». لقد خرجتُ من هذه الحوارات مع الطلبة بقناعة مؤداها أن أحد التحديات الكبيرة التي تواجه هذا الجيل تكمن في كيفية أخذ الأشياء الجيدة التي تحدث على المستوى المحلي وترجمتها على المستوى الوطني، حيث توجد المشاكل. وقد تفاجأتُ حقاً بالتعطش الواسع والخفي للتغيير في المضمون العاطفي للحياة، حيث يقول أحد الطلاب متأسفاً: «إننا أكثر ارتباطاً وتواصلاً ولكننا أكثر ابتعاداً عن بعضنا البعض». وبشكل متكرر، عبّر الطلبة عن تعطش لنسج وشائج اجتماعية وعاطفية، ولتحول من حالة الشعور بالذنب والاتهام إلى الشعور بالآخر. *كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»